رمضانيات ”11“
امتلاك الروح الايجابية احد العوامل، لتجاوز الحالة الانهزامية، وتزويد النفس بالارادة، والعزيمة للوقوف مجددا في وجه التحديات، فتسلل الروح السلبية يترك اثارا عميقة في النفس، مما يجعلها غير قادرة على النهوض، ويعرقل محاولة نسيان الماضي، وبالتالي فان الروح الايجابية تتحرك لرسم خارطة، تضع في الاعتبار العوامل المؤدية للسقوط، والتحرك الجاد للصعود مجددا.
النظرة الايجابية لمختلف المشاكل، محرك أساس للبحث عن الحلول، ومحاولة الخروج باقل الخسائر، خصوصا وان النظرة السلبية تشكل حائلا تحول الرؤية الجيدة، مما يمنع من التوصل الى الحلول المناسبة، فضلا عن قراءة الأسباب الحقيقية المؤدية للسقوط، فالمرء الإيجابي يبدأ في دراسة الامور، بشكل متأني بعيدا عن العصبية، بحيث يحصل في النهاية على الطرق المناسبة للخروج من الازمات، الامر الذي يقود الى تحويل السقوط الى عامل تحفيز، لمواصلة المشوار بارادة قوية، ﴿قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا ? وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾.
التحلي بالروح الايجابية، مرتبط برجاحة العقل، وامتلاك الحكمة، في طريقة التعاطي مع الامور، فالعصيبة وردود الأفعال غير المدروسة، تخلق المشاكل، وتزيد الامور تعقيدا في الغالب، بمعنى اخر، فان السيطرة على الاعصاب، ومحاولة التحلي بالهدوء، ودراسة المشاكل بروية، بعيدا عن الضغوط الاجتماعية والنفسية، تشكل عناصر اساسية، في احداث الفرق بين الروح الايجابية، والحالة السلبية، ”لسان العاقل وراء قلبه، وقلب الأحمق وراء لسانه“، وبالتالي فان محاولة امتصاص المشكلة في البداية عنصر حيوي، للسيطرة على الوضع، وافشال محاولات اتساع دائرتها، خصوصا وان العقل يحث على انتهاج الطرق المناسبة، انطلاقا من النظرة الايجابية المتوازنة، لتفادي تفاقم الخسائر سواء كانت معنوية ومادية.
الايجابية وصفة سحرية قادرة، على تحويل الليل الدامس الى نهار مضيء، فالمرء الإيجابي يتخذ من الفشل طريقا، نحو اجتياز جميع الصعاب، بحيث يتحرك وفقا لرؤية واضحة، بغض النظر عن الضغوط الاجتماعية، لاسيما وان البيئة الاجتماعية تشكل في كثير من الاحيان، احد العناصر للاقدام على ممارسات خاطئة، نظرا للانسياق رواء العاطفة، او الخشية من فقدان بعض المكاسب، المعنوية او المادية، الامر الذي يترجم على شكل مواقف غير متوازنة، وغير منسجمة مع النظرة العقلانية، وبالتالي فان امتلاك القدرة على ضبط الاعصاب، وعدم الانجرار وراء الضغوط الخارجية، يولد حالة من التوازن الداخلي، ويمنع ارتكاب الأخطاء الجسيمة، على الصعيد الذاتي والاجتماعي.
إشاعة الروح الايجابية في البيئة الاجتماعية، يخلق تماسكا داخليا في أوقات الازمات على اختلافها، ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى? أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ? إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ? إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾، بمعنى اخر، فان ادخال اليأس في النفوس يقتل روح المبادرة، والتحرك لخلق واقع اجتماعي متماسك، فالمجتمع السلبي لا يعرف الاستقرار النفسي والاخلاقي، مما يسهم في انتشار الأمراض المعنوية والمادية، بخلاف المجتمع الإيجابي الذي يتعامل مع القضايا بنظرة تفاؤلية، مما ينعكس على شكل حركة تقدم دائمة، على مختلف الاصعدة.
شهر رمضان المبارك، فرصة لزرع الروح الإيجابي في النفوس، من خلال اعادة ترتيب البيت الداخلي، ومحاولة الانطلاق بنظرة جديدة، بعيدا عن ترسبات الماضي، «أَيُّهَا النَّاسُ! إِنَّهُ قَدْ أَقْبَلَ إِلَيْكُمْ شَهْرُ اللهِ بِالْبَرَكَةِ وَالرَّحْمَةِ وَالْمَغْفِرَةِ. شَهْرٌ هُوَ عِنْدَ اللهِ أَفْضَلُ الشُّهُورِ، وَأَيَّامُهُ أَفْضَلُ الأَيَّامِ، وَلَيَالِيهِ أَفْضَلُ اللَّيَالِي، وَسَاعَاتُهُ أَفْضَلُ السَّاعَاتِ. هُوَ شَهْرٌ دُعِيتُمْ فِيهِ إِلَى ضِيَافَةِ اللهِ، وَجُعِلْتُمْ فِيهِ مِنْ أَهْلِ كَرَامَةِ اللَّهِ».