هل يمكنك أن تصبح قائدا؟
قبل أن ندخل في عمق الاجابة، ونتحدث عن مفهوم القيادة وشخصية من تعلم فنها، سأسلط رؤية واقعية حول هذا العنوان الذي نجده الآن ملازم للقراءة وللشباب، غالبا تجد الدعوة لصنع قيادات شابة واثقة من نفسها قادرة أن تحقق أهدافها من خلال الكثير من الدورات التي تتناثر اعلاناتهم الجذابة في مواقع التواصل الاجتماعي وبمختلف الأسعار وبتشابه المحاور، تلك الدورة التي ينضم إليها الشباب بدافع الفضول والحماس غالبا لا تلامس واقعا الطموح أو أنها تقدم استراتيجيات ومفاهيم سطحية ووقتية تنتهي بانتهاء البرنامج وقد تُبقي أثرا ضئيلا ينمو إن كان هناك دافعية جادة ومثابرة لتغير الذات الأنانية، وكما لألعاب الخفة نهاية لدهشتنا حين نكتشف خباياها، لتكون قائدا أساسيات ليست خفية عن أي فرد فطن ينقشع الفضول حين معرفتها.
كذلك لترغيب العامة للقراءة وجذبهم لها نستخدم عبارات كثيرة منها الإنسان القارئ لا يهزم أو قارئ اليوم قائد الغد وغيرها، تلك العبارات توهم أي شخص أنه إذا أمسك كتاب وجلس واضعا ساقا على ساق فقط يقرأ ويقرأ ويقرأ سيكون قائدا في يوم ما، الخلل ليس في تلك العبارات وتحفيزها للأفراد ودعوتهم للاهتمام بتنمية المعرفة لديهم وتزويدهم بالثقافة العامة والمتعة الأدبية، إنما الضبابية التي ستمثُل في ذهن الشباب والقراء من خلالها، فلا يمكن أن يكون الفرد قائدا وهو منعزل وبعيد عن المجتمع، ولا يمكن أن يكون مؤثرا من غير أن يوطد العلاقات مع الناس ويعزز مكانته بينهم ويكسب محبتهم، فالقائد الناجح يملك التجارب التي حصل عليها عمليا وليس من قراءة الكتب نظريا فقط، القراءة تقدم الفكر والعلم والذي يستلزم تطبيقها عمليا.
إن مفهوم القيادة هو القدرة على توجيه الآخرين بهدف تحقيق الأهداف والمهام المنوطة بدافعية ورغبة متوقدة لا يعتريها الملل أو العزوف، فالقائد الفطن يستطيع أن يحظى بتأييد فريقه وتحقيق مآربه المستقبلية على أيديهم مع تنمية قدراتهم العملية والعلمية بأساليب محببة ومرغوبة.
وحتى تكون قائدا مؤثرا ومحبوبا من فريقك يتطلب منك حس مسؤولية متقد نحو من حولك، ندرك أن القادة ينقسمون إلى قسمين قادة هدفهم أناني، يًقدمون نحو الويلات والدمار لأنفسهم ولفريقهم لكنهم قادة لأنه تبعهم عدد غفير من الجمهور وليس بالضرورة أن يكون هذا القائد محنك أو واسع المعارف ليُسير الجموع، إنما لديه القدرة على الترغيب والاقناع والتهديد، لذلك نجد أن بعض القادة لديهم أهداف حمقاء لا يجني من خلالها الفريق إلا الضياع.
النوع الثاني من القادة أهدافهم سامية، يتُقُون إلى التغيير والنمو المجتمعي، لذلك رؤيتهم غير محدودة وقائمة على البذل المخطط له بمهارة للجموع أو الفريق.
يرغب البعض أن يمتلك هذه الصفة التي يجدها عند القلة متوقعا أنها صفة متوارثة، وهذا غير صحيح فالحصول على شخصية قيادة من الصفاة المكتسبة، المعتمدة على التدريب، أي أن للعائلة والبيئة والثقافة دور كبير في تنشئة القادة منذ نعومة أظفارهم بتعويدهم المسؤولية ومنحهم الثقة التي تجعلهم قادرين على ابراز خصائص معينة من شخصياتهم كالجرأة وحب المبادرة وبناء العلاقات العامة الجيدة وغيرها من السمات التي يتميز بها القادة.
وحتى إن تدريب أي فرد لدى المتخصصين يعتمد على أسس وهي عملية الفرز والمتابعة، أي يُنظر إلى شخصيته إن كان فعالا أو خاملا في نشاطه اليومي، إذ من الصعوبة تدريب فرد ليس لديه حس المبادرة أو القدرة على اتخاذ القرار، كما أن الهوايات تلعب دورا هام في عملية التدريب الفرد وتبرز جانبا من شخصيته واهتماماته، كالثقة والاعتداد بالنفس.
يمكن أن يتساءل القارئ حول صفات الفرد الفعال أو ما يتميز به، باختصار شديد، يمتلك مهارات ادارية ويمكنه أن يخطط للمستقبل، يتخذ قدوة محفزة ومؤثرة، اهتماماته طموحة ويحمل فكرا رشيقا وثقة غالية بالنفس ليحقق أهدافه.
تعودنا على مفهوم القيادة القائمة على توجيه الأوامر بأساليب محبوبة ومرغبة للمجموعة، لكن في الآونة الأخيرة برز شكل جديد من اشكال القيادة وهي القيادة الهادئة والتي تتصف بالتأثير المباشر لسلوك القائد في المجموعة، أي أن المجموعة أو الفريق يقتدي أو يحتذي بسلوكيات القائد التي انعكست على ذواتهم وهو من أبلغ أدوات التواصل وبعيدة عن المثاليات والتنظير، فالقائد الهادئ يدرك أن الأفراد يتمتعون بمزيج من الدوافع اتجاه عملهم شخصية أو عامة، ولا يمكنهم أن يتجردوا منها ويجنحوا إلى المثالية، لذا وطن نفسه على قبول هذا المزيج والعمل معه.
ذكر الكاتب دانيل قولمان في كتابه القيادة الأصلية ”أن القيادة بالتدريب تعتبر من أندر وأفضل أنواع القيادة التي يتمتع بها القائد الهادئ، والقيادة بالتدريب هي أقل الأدوات القيادية استخداما، ولعل السبب يعود إلى أنها لا تتمتع بسمات القيادة المتعارف عليها“.
أخيرا يمكن لأي فرد يرغب بأن يكون قائدا يتخذ قرارا ساميا بأن تكون هدفيته من القيادة تنمية المجتمع وتطويره ورفع شأنه.