رمضانيات ”10“
استذكار امجاد الماضي، للتزود بالعبر والدروس عمل محمود، ويحث عليه العقلاء، لما يمثل من أهمية لوضع الخطط للواقع المعاش، ورسم خارطة طريق مستقبلية، لاسيما وان الماضي المجيد يحمل في طياته محفزات، لأحداث تغييرات جوهرية للواقع البائس، الذي تعيشه الكثير من المجتمعات المتخلفة، مما يستدعي اعادة ترتيب الاولويات، وفقا للتحديات الراهنة وقراءة الاخطار المستقبلية، بما ينسجم مع استنتاج العبر من إنجازات الماضي، ومحاولة توظيفها بشكل مناسب مع الوضع المعاصر، ”قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ“.
التغني بالماضي المجيد بمثابة عقدة، لدى بعض المجتمعات البشرية، مما يستدعي العمل الجاد لمعالجة تلك العقدة، بما يحقق الفائدة المرجوة والمصلحة المشتركة، لأحداث تحولات جذرية في طريقة التعاطي، مع الصفحات المشرقة للقرون السالفة، فالتاريخ المشرق يشكل مفخرة، وجزء اصيل من مسيرة الامم الماضية، بيد ان اجترار الماضي للركون على بعض الانجازات المضيئة، يسهم في تكريس حالة التخلف، والبقاء في مؤخرة الركب، وبالتالي فان دراسة التاريخ عملية ضرورية، للوقوف على أسباب التقدم في تلك القرون، والتعرف على الوصفات الناجعة، لمواكبة الانجازات، مما يسهم في اعادة بعض المجتمعات للواجهة مجددا، خصوصا وان النهوض العلمي، يشكل المحرك الاساس للانطلاق، في فضاء التقدم بمختلف الاصعدة.
المعالجة المناسبة للأحداث التاريخية، تمثل مخرجا للكثير من الازمات، التي تعيشها بعض المجتمعات البشرية المتخلفة، فهناك شرائح اجتماعية، تستغل بعض الصفحات التاريخية، في دغدغة المشاعر، واثارة الدفائن، بما يحرك روح الكراهية، وتكريس العنصرية، مما يكشف عن وجود أزمات حقيقية، في طريقة معالجة النصوص التاريخية، بأسلوب حضاري، بعيدا عن التشنجات والمناكفات السياسية، واحيانا العنصرية، مما يستدعي التوقف مليا، امام الخطاب المستخدم في اجترار الماضي، فهناك بعض المجتمعات تستخدم التاريخ قنطرة، للعبور للأمام بخطى ثابتة، فيما لا تجد بعض المجتمعات سوى بعض المفردات، ذات الدلائل السلبية، الامر الذي يكشف الفرق بين الطرفين، فالأول يتحرك لاكتشاف الجانب المضيء، والتركيز على العناصر الايجابية، فيما لا يرى الثاني سوى الممارسات السلبية، والبحث عن الصفحات الصفراء، مما يؤدي لمزيد من التباعد بين الطرفين، في مختلف الجوانب العلمية، والتنويرية.
المعارك الحربية التي خاضها المسلمون، مع رسول الله ﷺ لم تكن الحصول على الغنائم، او سبي النساء، بقدر ما كانت دفاعية بالدرجة الاولى، والحفاظ على بيضة الاسلام، بمعنى اخر، فان الانتصارات التي حققها المسلمون، تحت قيادة سيد الرسل ﷺ، لم تكن في سبيل اذلال الاخرين، او اراقة الدماء، بقدر ما تمثل حروبا لأسباب وجيه، لاسيما وان الرسول الاكرم ﷺ حرص على تغليب خيار السلم، ودخول القبائل العربية تحت رأية الاسلام طوعا، بيد ان المكابرة ومحاولة كيد الدسائس للإسلام، اضطر للدخول في حروب طاحنة، وبالتالي فان التركيز على السيف، باعتباره الأسلوب الأفضل لقهر الاخر، امر يجانب الكثير من الحقائق التاريخية، مما يكشف الخلل الكبير، في معالجة الحوادث التاريخية، بالطريقة المناسبة.