تمويه وتزييف القيم
في ميدان الحرب المستعرة التي تشنها وسائل الإعلام الفاسدة، تمتهن أقلامها وأبواقها إلقاء الشبهات وترويج الأفكار المموهة والمغلفة بكلمات رنانة تلامس وتدغدغ مشاعر الناس وتهز قناعاتهم وتشوشها.
فقيم العفة والفضيلة الأخلاقية ودورها في حفظ الإنسان من حياة البهيمية الغرائزية ومنطق الغاب والذي يعد امتهانا لكرامة الإنسان، ونزعا للعقل الذي يميزه ككائن مفكر لا تسيره الشهوات كبقية الحيوانات، فيتم مهاجمتها من خلال تقديم راية الحرية وجعلها شعارا لحركة الإنسان ورفض ما يعارضها أو يقيدها، فيتم الترويج للمارسات المنكرة وفعل القبائح ومظاهر الانحلال والابتذال الأخلاقي وممارسة العلاقات غير المشروعة والفواحش، من خلال تصويرها كممارسات تتم تحت نظر حرية الشخص وحقه في التمتع بحياة لا تقيده بأغلال الانظمة والقيم، وهل الكبت والمعاناة النفسية لدى بعض الأفراد - في نظرهم - إلا نتاج التقييد باسم الشرع، وما يعزز الصحة النفسية - في زعمهم - إفساح المجال وإطلاق العنان لحياة عنوانها فعل كل شيء مهما كانت نتائجه، ومنها انفلات الغرائز!!
وأضحت مظاهر الانحلال والفجور قيمة تنبع من حرية الأفراد تمارس في المناسبات والاحتفالات المختلفة ولا يمكن التخلف عنها، فانحدار الإنسان إلى مستوى البهيمية التي تعلو فيه الغرائز كقيمة يستحيل التنازل عنها، فسقطت مكانته وانحدر أكثر فأكثر نحو بيئة موبوءة بالانحطاط القيمي.
الغرائز منظومة فطرية لا يمكن إنكارها أو الدعوة إلى كبتها، كيف وقد جعلها الباري أمرا فطريا لا يحتاج إلى اكتساب وتعلم، ولكن إشباعها يتم من خلال القنوات التي تحافظ على قيمته، فلا تحطه إلى المستوى البهيمي الذي يلغي فيه عقله تماما، إذ يمكن تنظيم الغريزة الجنسية من خلال العلاقة الزوجية القائمة على الاختيار والعاطفة والانسجام النفسي، أما حالة التفلت والسعار الجنسي الذي يحول الحياة إلى غابة لا يأمن فيها الواحد على نفسه والاعتداء عليه فهي قضاء على الإنسانية العالية، وما حالات التحرش الجنسي وجرائم القتل المتعلقة بها إلا واحدا من الآثار التي تأن منها الدول التي تفسح للشهوات أن تنطلق بأوسع نطاقاتها، وتقف حائرة اليوم أمام النتائج التي أفرزتها دعوتهم للحريات الزائفة.
الإنسان ذلك الكائن الذي يسعى إلى تكامله فيترقى في درجات السمو والتألق، فيتمسك بكل عمل وفكرة تعلي شأنه وترفعها في فضاء الإنجاز والإتقان، ويتجنب كل ما من شأنه أن يحط من كرامته ويذله ويتسافل به في وحل الجنون الاكتسابي.
الحرية الحقيقية أن يمارس الإنسان حقوقه بالحد الذي لا يلحق الأذى به أو الضرر بالآخرين، فالأكل الزائد والمضر بصحته والمسبب له الأمراض يعد حرية ومسموحا بفعله، أم أنه ينكر عليه فعل ذلك؟!
والشهر الفضيل دعوة للإنسان أن يحيا السمو والطهارة الروحية، ويتخلص الناس من سموم وأخطار التفلت المغلف بعبارات رنانة كالحرية المنشودة. فالصوم دعوة لحياة يحقق فيها المرء رغباته الروحية والفكرية والجسدية باعتدال، ومن خلال قنوات تحفظ له رقيه ولا تعيقه عن شق طريقه في ميدان العمل المثابر وتحقيق الأهداف التي يرسمها.
القيم الأخلاقية لا تحد من حرية الإنسان الحقيقية أو تلبية غرائزه بالحد الذي ينسجم مع إنسانيته وكرامته، وتنظم علاقات الأفراد بما يعزز التكاتف والتعاون والاحترام بين الجميع، ويجنبهم المواقف المتشنجة والتطاول على الآخر وتجاوز حقوقه.