آخر تحديث: 24 / 11 / 2024م - 10:22 م

نظرة مثقف.. هل المرجعية وجودها ضرورة عقلية؟

زاهر العبدالله *

قال تعالى ﴿وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُوا كَافَّةً ۚ فَلَوْلَا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ «122» التوبة

مقدمة:

طبيعة الحياة بكل جوانبها تحتاج تخصص وخبره في مختلف ميادينها ولا تستقيم الحياة إلا بذلك.

هنا يأتي سؤال هل وجود المرجعية الدينية تحتمل نفس المقياس أي لا بد من وجودها كي تستقيم الحياة؟ مثلها مثل بقية التخصصات؟

الجواب:

بسمه تعالى

لن أبحث عن مشروعية التقليد والإتباع بشكل تفصيلي كما ألمحت إليه الآية في مقدم المقال وكذلك بحوث العلماء في الفقه والأصول. بل سأبحثها من منطلقات أخرى في الحياة وهي:

  1. العقود والمواثيق
  2. الإرث بين الأرحام
  3. الخصومة والنزاعات
  4. النكاح «الزواج والطلاق»
  5. العلاقات الإنسانية بين الناس

كل هذه النقاط تحتاج لوجود متخصص يرجع له كي تحل المشاكل بين الناس وتحفظ الحقوق وتستقيم العلاقات ويُقام الزواج بين الزوجين وتحدد معالم الحياة المستقرة وقد كافح الغرب لوضع قوانين وضعية تتكفل بذلك وكذلك منظمات كمنظمة حقوق الإنسان وحقوق الطفل وحقوق الحيوان وأعدوا المحاكم الكبرى لفظ النزاعات مثل محكمة لاهي وغيرها وكلها تهدف إلى بسط النظام وعدم الإحتراب الداخلي والخارجي بين الناس. إلا أن الإسلام الحنيف جاء لنا بقانون إلهي يعرف طبيعة الفرد والمجتمع وحاجاته فهو من إبداعات الحق سبحانه وتعالى وأعلم الوجود في معرفة مصالح الناس ومفاسدهم فسن له القوانين التي تكفل حقوقه في هذه الأرض وسخر له كل ما في الأرض خدمة له كي لا يكون له حجة يوم القيامة صاغها في شكل أوامر «واجبات» ونواهي «محرمات» وأرسل رسله وأنبياءه وكتبه وأوصياءه يُعلمون الناس أمور حياتهم وما به معاشهم وما يقّوم به سلوكهم ونعلم أن هناك من يقول لكن لا نرى ذلك ماثلاً في بلاد المسلمين بل نراه في بلاد الغرب أكثر وضوحاً فهل عجز الإسلام عن تحقيق ذلك ونجح الغرب؟

الجواب:

العيب ليس في تعاليم الأسلام النظرية بل العيب كله بيد الناس جميعاً ومدى وعيهم وحرصهم على تطبيق أوامر ربهم واجتناب نواهيه وهناك عوامل أخرى تحول دون تطبيق ذلك واللبيب بالإشارة يفهم.

وسأسلط الضوء على واحد منها لتستلهم من شرحها بقية النقاط

«1» العقود والمواثيق بين الناس

لو لم يوجد مرجع إسلامي يقر العقود والمواثيق التي يتعامل بها الناس لحدثت الفوضى في المجتمع بحيث تصير الأوراق لا قيمة لها ولا أثر عملي لوجودها، فلو تخيّلنا أننا لا نحترم هذه الشروط التي تجرى بين الناس في البيع والشراء والوعد وغيرها من الأمور تحت مسمى

[أنا حر وهذا رأيي ولك رأيك وهذا الموضوع فيه اختلاف في وجهات النظر]هل سيقام حق وتحفظ الحقوق؟ بالقطع واليقين لن يكون كذلك. وقد أشار القرآن الكريم في إتباع الهوى بقوله تعالى ﴿أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَىٰ عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ ۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ «23» الجاثية

ما هو السبيل الوحيد الذي يؤمن هذا الجانب في حياة الناس؟

الجواب: هو الشارع المقدس وإقراره لهذه المعاملات بين الناس. حيث ورد عن رسول الله ﷺ «المؤمنون عند شروطهم» [1] 

وكيف لنا أن نتحصل على الغطاء الشرعي المناسب في هذا هل من بنات أفكارنا بحيث نتفق وإذا حصل خلل في العقد من إحدى الطرفين نتنازع ونختلف فيختل العقد ثم نتفق ثم نختلف وهكذا أم نقول نرجع لواحد من أهل التخصص ونرتضي به حكما في حل الاختلاف منا؟

نعم نرجع إلى مصدر واحد تكون له كلمة الفصل في اختلافنا فنكون راضين بحكمه. فهل من المناسب أن الذي يفصل في اختلافنا سباك أو دكتور أو معلم أو مهندس أو غيره من التخصصات؟ فإذا فعلنا ذلك هل يحترمنا العقلاء على فعلنا أو سنُعاب ونعاتب من قِبلهم في هذا التصرف بقولهم كيف ترجعون في حل المشكلة إلى مهندس مثلاِ وما يحسن أن يقول لكم؟ ليس انتقاص فيه بل لأنه ليس على إطلاع كافي في موارد الخصومة والحل والعقد والحلال والحرام وغيرها مما يعتبر دخيل في حل النزاع فجاء القرآن الكريم في الصدر الأول منه يحل هذه المشكلة قال الله تعالى في محكم كتابه ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا «65» النساء. فإذا غاب النبي ﷺ لم نرجع في حل الخصومة قال تعالى:

﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ «43» النحل. وقد بيّن لنا النبي ﷺ من هم أهل الذكر في حديث متواتر صحيح عند الفريقين على اختلاف ألفاظه وهو حديث الثقلين «إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي وانهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض» [2] 

وهذا الحديث دليله واضح في قوله تعلى ﴿بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ ۗ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ «44» النحل. فوظيفة النبي ﷺ وأهل بيته تبيان الأحكام الشرعية التي بها صلاح مجتمعهم وهدايتهم في مختلف شؤون حياتهم.

النتيجة:

أن كل اختلاف بين المتخاصمين يُرجع للنبي محمد ﷺ ثم إلى أهل بيته . وهنا سؤال.

إلى من يُرجع في حل الخصومات بعدهم؟ هل تركونا أهل البيت هملاً لا نهتدي لحق ولا نجتنب باطل أو وضعوا لنا ميزان نهتدي به في حال الاختلاف ليكمل المسيرة في حفظ النظام العام وضمان حقوق الناس

الجواب:

ترك الناس هكذا ظُلم بلا شك والله سبحانه لا يفعل الظلم للعباد لماذا؟ لأن الظلم فعل قبيح وترك الناس دون هادي مهدي فعل قبيح وهذا محال على الحق سبحانه لأنه حكيم عادل هذه أصول يجب أن تُفهم والدليل على ذلك قوله تعالى في كتابه ﴿وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ «46» فصلت.

إذا ما هو الدليل على أن الله لم يترك الناس هملاً يعملون فكرهم في أحكام دينهم من أهوائهم؟

الجواب:

جاء في كتاب الاحتجاج، تفسير الإمام العسكري: بالإسناد عن أبي محمد قال: قال علي بن محمد عليهما السلام: «لولا من يبقى بعد غيبة قائمنا من العلماء الداعين إليه، والدالين عليه والذابين عن دينه بحجج الله، والمنقذين لضعفاء عباد الله من شباك إبليس ومردته ومن فخاخ النواصب لما بقي أحد إلا ارتد عن دين الله ولكنهم الذين يمسكون أزمة قلوب ضعفاء الشيعة، كما يمسك صاحب السفينة سكانها أولئك هم الأفضلون عند الله عز وجل» [3] 

بيان: الذب: الدفع. والشباك بالكسر: جمع الشبكة التي يصاد بها.

أذاً العلماء هم السبيل في بقاء حجة الله سبحانه على خلقه في زمن الغيبة ثم يأتي سؤال آخر هنا

ماهي صفات العلماء الذين نأخذ منهم معالم ديننا؟

  1. أنهم يَرون الحديث بمعنى أنهم أهل تخصص وورع واجتهاد وقد تسالم عند أهل العلم أنهم المراجع العظام.

روي عن مولانا صاحب العصر والزمان «وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله عليهم.» [4] . إذاً المراجع هم حجج علينا في تبليغ أحكام الله سبحانه وهم نواب مولانا صاحب العصر والزمان في زمن الغيبة فالرد عليهم رد على الحجه .

    2. أن يحملك المرجع من الشك إلى اليقين من الغرور إلى التواضع من الخصومة إلى النصيحة ويدفعك للخيرات وقد أشار رسول الله ﷺ لهؤلاء في وصف دقيق يميّز العلماء الذين يجب أن نأخذ معالم ديننا منهم.

روى جابر بن عبد الله، عنه ﷺ أنه قال: «لا تجلسوا إلا عند كل عالم، يدعوكم من خمس إلى خمس: من الشك إلى اليقين، ومن الرياء إلى الإخلاص، ومن الرغبة إلى الرهبة، ومن الكبر إلى التواضع، ومن الغش إلى النصيحة». [5] 

وقد فصلنا القول في مقال مستقل عن هذا الحديث تحت عنوان [ميزان دقيق من المصطفى ص في تقييم العلماء] يمكنك الرجوع إليه في القناة أو قوقل في المواقع.

الخلاصة:

عزيزي المثقف والأكاديمي والمتنور والمنفتح والحداثي وغيرهم من المسميات اليوم من خلال ما قدمنا تبين أن وجود مراجع الدين ضروه عقليه قبل أن تكون ضرورة شرعية فهو متخصص في مجاله ولا يطلب أكثر من أن يبلغ أحكام الله سبحانه وتعالى فليس هو مخترع ولا بيده المصانع وغيرها فهم يعالجون الأرواح المؤمنة ويعلمونهم معالم دينهم في أنفسهم وفي أهلهم وفي مجتمعهم. إذاً بقاء الأمة دون مرجع في أمور دينها مدعاة حقيقية للفوضى وضياع الحقوق والتخبط في أحكام الله ووجود الخصومات ووجود مختلف الاضطرابات التي لا تخلوا منها بعض المجتمعات الإسلامية وقد شهد بذلك كثير من المحللين أن قوة المذهب وبقاءه متماسك إلى يومنا الحاضر هو الشعائر الحسينية والمراجع الشيعية ولذا لنكن حذرين في هذا الزمان بعدم الاستماع إلى أقوال تبعدنا عن المرجعية الرشيدة تحت مسيات واهية وهزيلة لا تصمد أمام العقل والنقل لأن الغرض الحقيقي هو بعدنا عن الوحدة والتماسك والقوة.

وهنا سؤال:

لماذا لا نأخذ معالم ديننا من أنفسنا وحسب عقولنا؟

الجواب: يكون بسؤال لماذا لا نعالج أنفسنا ونجري العمليات الجراحية لأنفسنا؟ لماذا لا نبني منازلنا بأنفسنا؟ لماذا لا نصلح الخراب الصعب في سيارتنا؟ وهكذا سيكون الجواب على كل الأسئلة المطروحة هو

لست ذو خبره أو معرفه أو تخصص كي تحل هذه المشاكل وهذا هو عين الجواب لسؤالنا لأنك لست من أهل التخصص في أمور ومعالم الدين وقد أثبتنا ذلك بشكل بسيط يفهمه كل عاقل وبعدنا عن مصطلحات أهل التخصص من الحوزات العلمية لذا نحن عقلاً نحتاج لمتخصص أفنى عمره في خدمة الدين والمذهب ليخرج لنا أحكام الله سبحانه بعد رحلة طويلة شاقة مصحوبه بالورع والتقوى والزهد في الدنيا وآلالام الفقر والفاقة والبعد عن ملذات الدنيا وزخرفها ولا يزال كذلك ليعلمنا أمور ديننا وأفضل مصداق لهؤلاء هم مراجعنا العظام في الحوزات العلمية المشهود لهم بالورع والحكمة والنزاهة والتقوى فهم يحملون راية هداية الناس وإرشادهم في أمور أحكامهم في هذه الدنيا.

[1]  الوسائل 15:30، الباب 20 من أبواب المهور، ذيل الحديث 4.

[2]  بحار الأنوار - المجلسي - ج2 - ص 226.

[3]  بحار الأنوار - ج2 ص 6

[4]  كمال الدين وإتمام النعمة - ج1 - 512.

[5]  إعلام الدين في صفات المؤمنين - الديلمي - 272.
التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 1
1
احسنت
[ القطيف ]: 25 / 5 / 2018م - 3:48 م
جزاك الله خير