رمضانيات ”8“
مفردة التعاون تختلف تفسيراتها، باختلاف الثقافة السائدة في المجتمع اولا، والرصيد الفكرى لدى الفرد ثانيا، اذ تتصور بعض المجتمعات كلمة ”التعاون“ في مجموعة ممارسات ذات الأبعاد المادية، وضمن إطار ضيق للغاية، الامر الذي يكشف تكالب تلك المجتمعات، في التركيز على تلك الأنشطة، مما يولد تخمة كبرى، وعدم القدرة استيعاب المزيد من الاعمال، وبالتالي يقود الى تجميد الأنشطة التعاونية، بمبررات اكتفاء المجتمع، واختفاء الحاجة، فيما تعمل بعض المجتمعات على الإبداع، والتنوع في توزيع الأدوار التعاونية، مما يخلق آفاقا واسعة للغاية، بحيث تتحول الاقتراحات الكثيرة، الى مبادرات ذات ابعاد اجتماعية، مما يسهم في اثراء البيئة الاجتماعية بالافكار الخلاقة، والابتعاد عن المبادرات التقليدية والبائدة.
عملية الإبداع في ابتكار المبادرات التعاونية، مرتبطة بالافق الفكري، ومحاولة اكتشاف النواقص، انطلاقا من الحاجات الحقيقية، بعيدا عن الضغوط الاجتماعية، لاسيما وان الثقافة الاجتماعية في بعض الاحيان، تلعب دورا في حصر المبادرات ضمن اطر محدودة للغاية، مما يتطلب احداث انقلاب حقيقي في نوعية الثقافة السائدة، من خلال إيجاد مناخات قادرة على استقطاب التحولات الفكرية، وتوظيف المستجدات، والمتطلبات المعاصرة في المبادرات التعاونية، خصوصا وان الجمود وعدم استيعاب التحولات، يحرم المجتمع من مواكبة التطور، ويؤثر على طريقة التفكير التعاوني بشكل عام.
الثقافة الفردية تلعب دورا محوريا، في الانتقال من التفكير التقليدي، الى النمط المتجدد، فالمرء بما يمتلك من إمكانيات كبيرة، للتأقلم مع التحولات العالمية، قادر على التقاط العديد من الافكار ذات الأبعاد التعاونية، بحيث تتحول الى مؤسسات ومبادرات قائمة على ارض الواقع، مما يخلق حالة من التفاعل المجتمعي، وينمي الثقافة التطوعية، المستندة على حب الخير ومساعدة الاخرين، لاسيما وان بذرة الخير قابلة للنمو في البيئة الخصبة، ولكنها تجد صعوبة في النمو مع الافتقار للعوامل المساعدة.
التعاون عملية متسلسلة، ومتراكمة، في المجتمعات البشرية، فهي تطير بجناحي الفرد والمجتمع، في الوقت نفسه، فالفرد بما يمتلك من رغبة، في تقديم المساعدة للفئات الاجتماعية، يمثل احد الأعمدة الاساسية، لنجاح غالبية المبادرات التعاونية، اذ لا يتصور بروز مبادرة، وانتشارها بدون كوادر، تعمل ليل - نهار في سبيل ترجمة الافكار، الى ممارسات على الارض، كما ان الثقافة الاجتماعية الجاذبة تشكل الارض الخصبة، لغرس المبادرات ذات الأبعاد التعاونية، الامر الذي يفسر تزايد العديد من المبادرات، في بعض المجتمعات البشرية وانحسارها او انعدامها في كيانات بشرية اخرى، فالسر يمكن في مدى التقبل للأفكار الخلاقة، والقدرة على الاستيعاب، والتأقلم معها، بمعنى اخر، فان إيجاد الثقافة التعاونية مطلب أساسي، لتحريك بذرة الخير في المجتمع، وتكريسها لدى الفرد، باعتباره المحرك الحقيقي، لمختلف المبادرات التعاونية، لاسيما وان البيئة الطاردة بمثابة العدو اللدود، لمختلف المبادرات الاجتماعية.
شهر رمضان بما يحمل من طاقات إيجابية، يشكل مفتاحا ومحركا، لإطلاق الثقافة التعاونية غير التقليدية، فالمسلم باستطاعته تسخير الشهر الفضيل، في إطلاق العديد من المبادرات التعاونية الإبداعية، مما يعود على المجتمعات المسلمة، بالخير الكثير والمساعدة في تنمية روح التعاون في النفوس.