رمضانيات ”7“
فرحة الانتصار لحظة يصعب محوها من الذاكرة، باعتبارها مفصلا تاريخيا تحدد المسار، على الصعيد الفردي والاجتماعي، فهناك معارك معنوية واخرى مادية، تشكل مفترق طرق في الكثير من الاحيان، الامر الذي يتطلب اختيار السلاح المناسب لتحقيق الانتصار، وبالتالي فان النزال يمثل مرحلة تكتيكية للوصول الى الهدف النهائي، بمعنى اخر، فان الاخفاق او الهزيمة ستجلب الكوارث في بعض الاحيان، على مسيرة الفرد، وتعرقل عملية النهوض الاجتماعي في احيان اخرى.
فهناك الانتصار المعنوي، والذي يكابده المرء طوال العمر، والمتمثل في الصراع مع النفس او الهوى، مما يتطلب ترويض الذات عبر مخالفة الهوى، وعدم الانجرار وراء الاهواء والشهوات، لاسيما وان متابعة الهوى تردي الانسان في المهالك، وتحول دون قدرته على تطهير النفس، والارتقاء للأعلى باتجاه صفاء القلب، ”وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا «*» فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا «*» قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا «*» وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا“، وبالتالي فان مجاهدة النفس، والعمل على قهرها، والانتصار عليها، بمثابة الفوز الكبير الذي يترك اثرا معنويا، في الحياة الدنيا، والحصول على المغفرة والرضوان، من قبل الخالق، ”وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ“.
في المقابل يوجد انتصار مادي وملموس، فالصراع ضد جبهة الباطل، يتطلب اتخاذ الأسباب المادية لهزيمته، باعتباره صراعا وجوديا لا يقبل أنصاف الحلول، فالباطل يتحرك باتجاه إلغاء الحق من الوجود، مما يدفعه لاستخدام مختلف الأساليب، والاستعانة بجيوش قوية، لتوجيه الضربة القاضية لجبهة الحق، الامر الذي يستدعي وضع استراتيجية متكاملة لإدارة الصرع، ضد الباطل بالصورة الصحيحة، لاسيما وان الهزيمة تكون احيانا ماحقة ونهائية، يمثل انتصارا مدويا للباطل، على حساب المبادئ الاخلاقية والقيم الفاضلة، بمعنى اخر، فان جبهة الحق مطالبة بانتهاج الأسباب المادية، لتحقيق الانتصار، وتفويت الفرصة على فريق الباطل، بامتلاك تلك الأدوات، فالصراع يستلزم التحرك الجاد بالبحث عن نقاط ضعف العدو، للحصول على النصر، بالاضافة للاعتماد والتوكل على الله.
الانتصار على الذات في شهر رمضان، يمثل احد الدروس المستفادة من الصيام، والامتناع عن شهوة الاكل، فالصيام يمهد الطريق امام مخالفة الهوى طيلة ساعات النهار، خصوصا وان المسلم يحجم عن الاكل سواء في العلن او الخفاء، مما يعني السيطرة على الذات، وعدم الانقياد معها، باتجاه الاستجابة للشهوات المادية، وبالتالي فان شهر رمضان يعطي المرء القدرة، على الوقوف في وجه الإغراءات الشيطانية، التي تزين له ارتكاب بعض المخالفات، الامر الذي يولد طاقة كبرى، لامتلاك إرادة الانتصار، على الذات خلال المسيرة الحياتية.
سجل التاريخ الاسلامي انتصارا مدويا، خلال شهر رمضان المبارك، فقد استطاع المسلمون الانتصار على كفار قريش، في معركة بدر بالسنة الثانية للهجرة، حيث مهد انتصار الجيش الاسلامي في تقوية شوكة الاسلام، مما شكل مفصلا تاريخا لانتشار الاسلام في الجزيرة العربية، فقد اصبح المسلمون قوة حقيقية على الارض، وبالتالي أحدث اختلافا جوهريا، في ميزان القوة العسكرية مع كفار قريش.