آخر تحديث: 23 / 11 / 2024م - 12:36 ص

سلام عليك من شهر

نازك الخنيزي

شهرٌ عظيم هلَّ بروعة الإشراق

رمضان هل هلاله

مضيءٌ نقاءه

فالراء رحمة ربنا قد هطلت

والميم مغفرة تعم صحافنا

فيه الكتاب قد نزلت آياته

وترتلت

فاتلو بها القرآن

أفض علينا يا إلهي رحمة

ومحبة وتسامحاً وبركات

هو ملك الشهور والصبر والإباء، يسمو به عشاقه على مدارج العُلا، يأتى رمضان بنوره البراق ووجهه المضيء يداعب الأيتام بيد بيضاء ويلفهم بنسيم الروح، والحب والدعوات في مواسم العطاء.

نبع من الأضواء يفيض نقاءه، قبس لمشكاة السماء… شهر تنزلَ فيه الكتاب من علا.. وقد خصه الرحمن بمحكم الآيات، وفضائل الأعمال والصدقات.

ليالي هذا الشهر تحفل بجماليات وقيم عدة، دينية واجتماعية وترويحية، وعلى الرغم من توحد النفحات الإيمانية والروحانية في الدول العربية إلا أن لكل دولة عادات وطقوس تميزها عن غيرها.. ومن العادات الجميلة السائدة تبادل الأطباق بين الأحبة والجيران وهذه العادة تزيد من أواصر المحبة بينهم.

لكل زمن مفرداته وعاداته التي يسير عليها المجتمع، ولابد من ذكر بعض فروقات الماضي والحاضر، رغم أن الخير كان قليلاً في الماضي لكن له طعم مختلف، ونخص الأكلات الشعبية مثل الهريس، والثريد والكباب، والكثير من الحلويات مثل الساقو واللقيمات وغيرهم الكثير … فمذاقهم اليوم لم يعد كالأمس رغم قضاء الوقت الطويل في التفنن بما لذ وطاب.

ولابد لنا من وقفة لنسترجع زمن الأجداد وذكريات الأصالة بنكهتها المميزة، وبعض العادات التي اندثرت ولاتزال ملتصقة بالوجدان كنا نعشقها ولا نزال نحن لها، فأجواء السحور ودور المسحراتي وشخصيته التي حُفرت في الذاكرة ولاتغيب من الأذهان، وأهازيجه وأدعيته «ياعبيد الله السحور، قعدوا تسحروا جاكم أبو طبيلة» «يانايم وحد الدايم» وأهازيجه المتنوعة ليستيقظوا النائمين وقت تناول وجبة السحور ومن ثم أداء صلاة الفجر، وبعضهم يحفظون أسماء أصحاب البيوت التي يمرون بها فينادون بالإسم، وفي نهاية الشهر الفضيل يردد أهازيج محزنة للوداع، وهذا الشخص يتم إكرامه في العيد حيث يدور على سكان الحي بطبلته مقدماً تهنئة العيد… هذه العادة قد غاب رونقها في وقتنا الحاضر.

كما أن ليلة النصف من هذا الشهر ليلة جميلة جداً تُسمى الناصفة أو قرقيعان أو كَريكشون، وهذه اللليلة يحتفل بها معظم بلدان الخليج العربي والعراق وبعض الدول الإسلامية، حيث يرتدي الأطفال ملابس شعبية، مستحضرين التراث، ويطوفون على المنازل مرددين الأهازيج الجميلة التي تختلف من منطقة إلى أخرى وتوزع عليه الحلويات والمكسرات وغيرها وهم يرددون «اعطونا الله يعطيكم، بيت مكة يوديكم ….» «سلم ولدهم يا الله وخليه لأمه، يا الله …» والكثير غير ذلك.

شهر يبلل أنفاسنا بعبيره وننشر على لحظاته مناديل الأمنيات.. ومن رحيقه نمتص حاجة الرمق في ساعات الظمأ، فنغرق فيه لنرسم في ملامح ليلهِ تفاصيل تشبهنا تشعل فوانيس حب عند أبواب الدعاء، ونصلي أاف صلاة بلهفة روح وقلب شغوف، لنغفو بسلام على هضاب بللتها أجنحة السماء.

فلنفتح بشهر الصوم كل رحاب ونشرع نوافذ الفجر إلى همس النسيم ليحرك غبار حكايات جدتي القديمة التي تغفو معنا تحت الوسادة ونأكلها خبزاً شهياً على مائدة الإفطار.

إنه شهر الحب وصقل النفوس حيث القلوب مع الصيام يسودها نبل العطاء وبفضله يتقارب الأبعاد والأرحام.

صوموا تصحوا قالها خير الورى

هذي البساطة شرعة ونظام

في هذا الشهر العظيم ليلة خصها الرحمن بالقرآن وقد فاض تنزيله فيها، وجعلها الله خير من ألف شهر لشرفها وعظمتها، ليلة غراء فيها السعادة والعطاء وما أدراك مافيها، تنزل فيها ملائكة السماء الكرام قد نزلت بالإذن من ربهاحتى مطلع تجلى في أفق السما.

أحب هذا الشهر

عيداً في عيون الدهر

جاء يحمل البشرى

ويفرد كل مافي القلب

من نبض

ومن شوق

وينفض كل مافي الروح

من ورد

ومن كرم

على أفياء أنوار

تفيض بظلها اللحظات

وترسم شمعة الأعياد

فتغدو الروح والريحان أيامي