رمضانيات ”6“
يشكل التعاون عنصر حيوي، في القضاء على الحالة الفردية، والعمل وفقا لرؤية مشتركة، بعيدا عن الاستفراد والاستحواذ، ”اعقل الناس من جمع عقول الناس الى عقله“، فالنظرة من زاوية واحدة تكون قاصرة في الغالب، او غير قادرة على الإلمام بجميع الامور، او الإحاطة بكافة الجوانب، بخلاف العمل الجماعي، الذي يحرص على إجادة العمل، عبر مسح كافة الزوايا، لتفادي ارتكاب الأخطاء، او الدخول في إشكالات كبرى، ”يد الله مع الجماعة“، ”ان يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص“.
إشاعة الروح الجماعية، ونبذ الحالة الفردية، عنصر حيوي لبناء كيان، قادر على مواجهة التحديات الداخلية، والتهديدات الخارجية، فالمجتمع المتماسك وليد عناصر عديدة، منها وجود مشتركات، بين مختلف الشرائح الاجتماعية وكذلك ايمان حقيقي بضرورة نبذ الخلافات، بالاضافة للتركيز على الجوانب الجاذبة، واستبعاد العوامل الطاردة، الامر الذي يسهم في تطويق اختلافات، في وجهات النظر ضمن البيت الداخلي، بحيث يؤدي في النهاية الى تغليب المصلحة المشتركة، على الاهواء الشخصية، خصوصا وان نشر الغسيل على الملأ، يغري الاطراف الخارجية على إشعال الخلافات، في محاولة لتدمير المرتكزات المشتركات، وبالتالي القضاء على التماسك الداخلي، ورزع الفتنة عبر تغذية وتكريس النزعة الفردية، على حساب الروح الجماعية.
المكاسب المترتبة على تعزيز روح التعاون، في المحيط الاجتماعي، ليست قاصرة على إشاعة السلام، ونشر المحبة بين مختلف الأجيال، وإنما تتجاوز ذلك لتعبر الإطار الداخلي، لتشمل العالم الخارجي، فالتعاون قيمة اخلاقية سامية، وليست متاحة للجميع، بمعنى اخر، فان المجتمع المتماسك يكون محط أنظار الامم الاخرى، باعتباره مجتمع بشري قادر على تحطيم النزاعات الانانية، والتحرك بشكل جماعي باتجاه الاهداف المرسومة، لاسيما وان إمكانية تحقيق الاهداف عبر التعاون، يكون بشكل أسرع من التحرك بشكل احادي، وبالتالي فان الامم تحاول استلهام الدورس والعبر، لتكريس العمل الجماعي، باعتباره الأكثر فائدة من النزاعات الفردية.
شهر رمضان يمثل فرصة مثالية، لتعزيز الروح الجماعية، وتكريس حالة التعاون في المجتمع، خصوصا وان الشهر الفضيل يبعث على عمل الخير، والابتعاد عن السلوكيات السيئة، وبالتالي فان إطلاق المبادرات التي تحث على العمل المشترك، تجد استجابة سريعة وقبولا كبيرا، فهناك العديد من الاعمال الجماعية، تجد طريقها بسرعة في المجتمع، فالطاقة الروحية التي يبعثها شهر رمضان، في نفوس الصائمين، تحرك المشاعر الانسانية الصادقة، مما ينعكس على شكل المسارعة، في الاشتراك بالاعمال الجماعية.
تسخير شهر رمضان في تعزيز التعاون امر مطلوب، خصوصا وان الخلافات القائمة تتطلب تحركات جادة للقضاء عليها، من اجل الانطلاق من الخلافات الهامشية، للتركيز على القضايا الكبرى، بغرض انتشال المجتمع من مستنقع النزعات الفردية، باتجاه بستان العمل الجماعي، وبالتالي جني ثمار التحرك المشترك في مختلف الاصعدة، وتفويت الفرصة على الاطراف المتربصة، للعبث في البيت الداخلي لأغراض في نفسها.