رمضانيات ”5“
التوقف لمراجعة شريط الذكريات، ضرورة لتفادي العثرات، والتمسك بالايجابيات، فالمرء خلال المسيرة الحياتية، يتعرض للكثير من المصاعب والتحديات، على الصعيد الفردي والاجتماعي، مما يدفعه لاتخاذ قرارات بعضها مرة واخرى حلوة، بحيث توصف بعض القرارات بالصائبة، فيما البعض الاخر تصنف ضمن الإخفاقات، خصوصا وان إيقاعات الحياة وضرورة الاستجابة السريعة، لمعالجة التحديات تتطلب اختيار قرارات، تبدو من الوهلة الاولى صائبة، ولكنها بعد التجربة تظهر خطئها، الامر الذي يستدعي اعادة النظر فيها، ”الاعتراف بالحق فضيلة“.
إيقاعات الحياة المتسارعة، ومتطلبات مواجهة الواقع باسلحة قوية، لمواصلة التحديات، تستدعي انتهاج آلية المراجعة الدائمة، بهدف التعرف على مكامن الخطأ، والتمسك بالقرارات الصحيحة، فالمرء معرض على الدوام للوقوع في الزلات، الصغيرة منها والكبيرة، نظرا لمحدودية القدرات العلمية والحياتية، لدى الغالبية الساحقة من بني البشر، فمهما بلغت القدرات العقلية لدى البشر، فانه معرض لارتكاب الهفوات، ”كل ابن آدم خطاء، وخير الخطَّائين التوّابون“، بمعنى اخر، فان المكابرة وعدم الاعتراف بالقصور، والتباهي بامتلاك القدرة على اكتشاف الطريق الصائب، يمثل معضلة كبرى توقع صاحبها في الخطأ الجسيم، فالكمال للخالق وحدة دون غيره، والبعض الصفوة من الانبياء والرسل والأصفياء، فيما بقية البشر عرضة لارتكاب الأخطاء.
الوقوع في الأخطاء جزء من الطبيعة البشرية، نظرا لافتقاره للعصمة، التي تحول بينه وبين الزلات على اختلافها، بيد ان المشكلة ليست في ارتكاب الأخطاء، بقدر العمل على تجاوزها، وتقويمها بالطريقة المناسبة، بما يعود عليه بالخير على الصعيد الشخصي والاجتماعي، خصوصا بعد الأخطاء تتجاوز الإطار الفردي، لتشمل المحيط الاجتماعي، باعتبارها من الأخطاء القاتلة التي تنشر الوبال على الجميع، ”الخير يخص والشر يعم“، الامر الذي يتطلب التحلي بروح المسؤولية، والاذعان للحق، من خلال اتباع الوسائل المؤدية، لتصويب الأوضاع، لما يمثل من نبذ الأخطاء فائدة شخصية، ومنفعة اجتماعية، فأحيانا يكون صلاح الفردي، محرك أساس لنشر الخير في المجتمع، بينما السكوت على الأخطاء، يسهم في تراكمها، مما يصعب من عملية تقويمها، او القضاءعليها بسهولة.
شهر رمضان بما يحمل من رسالة اخلاقية، وروحية، على الصعيد الفردي، يشكل محطة سنوية، قادرة على احداث تغييرات جذرية، فالصيام بما يحمل من عبادة عظيمة، يسهم في تمهيد الطريق امام المرء، لمراجعة الذات، ومحاولة وضع النقاط على الحروف، والتحرك الجاد لايقاف مسلسل الأخطاء، على الصعيد الذاتي، او التجاوزات على الصعيد الاجتماعي، فالمرء بما يمتلك من إرادة قوية، قادر على هزيمة الاهواء، والوقوف بوجه المصاعب، التي تعترض طريق الوصول، الى رضا الله اولا والمجتمع ثانيا، بمعنى اخر، فان ايام الشهر الفضيل، تعتبر فرصة سانحة للقضاء على المثالب للشخصية، واستبدالها بأعمال جليلة، ”ليس منا من لم يحاسب نفسه في كل يوم، فإن عمل خيرا استزاد الله منه وحمد الله عليه، وإن عمل شيئا شرا استغفر الله وتاب إليه“ و”حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوها قبل أن توزنوا، وتجهزوا للعرض الأكبر“