التلاحم الأسري
إن ظاهرة التفكك الأسري التي تتصدع لها بنى المجتمعات المعاصرة باتت تعاني منها الكثير من الأسر، فأقلقت راحتهم بولادة أخلاق القسوة والتنمر نتيجة لابتعادهم عن القيم السماوية وتلاطم بعض التيارات باسم الاسلام واخر باسم الثقافية والحداثة والفكر المعاصر.
فأسهم ذلك بشكل ملحوظ في توهين الوشائج المألوفة بين أعضاء مؤسسة الأسرة.
ولضعف إحساس «بعض» الآباء بمسؤولية تكوين أسرة صالحة، وللتصور الخاطئ عن الدور الحقيقي للآباء، فإنهم يفرزون في مجتمعاتهم وبشكل مؤسف أفراد تتصف بأجساد فارغة من القيم والمبادئ في وسط الجيل الناشئ.
ولهذا علينا أن نعي مواجهة هذه المعضلة الثقافية التربوية. وان نعطل انتشارها من خلال تنمية رصيد القيم والمبادئ الإنسانية لحساب تعزيز التلاحم الأسري.
مفهوم الأسرة
هي مجموعة صغيرة تتكون من أشخاص تربطهم أواصر زوجية أو لحمية مباشرة فيعيشون مع بعضهم ضمن منظومة خاصة.
يعرفها ابن منظور: «إنها الدرع الحصينة التي يحتمي بها الإنسان عند الحاجة ويتقوى بها.
يتضح من توصيف الأسرة بالدرع الحصينة لما تسودها من علاقات تكامل ويتخلل هذه العلاقات التقدير والاحترام. الأمر الذي تبدوا آثاره الايجابية. وأول ما يبدوا في بناء جسور التفاهم بين الصغار والكبار، ويليه الاهتمام برأي الآخر ثم العمل على تعزيز القيم الأسرية إدراكا بإشباع النزعة الطبيعية نحو الحياة الاجتماعية، وسيكون الرد الفعلي لهذه الايجابية التجاوب والتواصل والرضا السريع للتفاعل مع قيم مبادئ الأسرة.
مفهوم التفاعل
يقصد بالتفاعل الأسري مستوى وطبيعة العلاقات الاجتماعية بين أفراد الأسرة التي قد تكون متمثلة في التماسك والترابط والتلاحم وفي التسامح والحب والديموقراطية.
مفهوم التلاحم الأسري بجمل مختصرة:
• قوامة ورعاية ونماء وعلاج.
• شراكة لإقامة صرح أسري سليم.
• إحساس ينبض تجاه الآخر.
• سياج آمن من الفساد.
• جدار واقي للتحديات.
• تفهم الاحتياجات
• تلامس جذور المشاكل وحلها.
صورالتلاحم الأسري
لئن ألقينا ظلال من الضوء على صورة التلاحم الأسري في مجتمعنا فإنه حري بنا أن نذكر واقع التباين الذي يعيشه أفراد الأسر بالرغم من اعتقاد واعتناق بمبادئ الإسلام، إلا أنه هناك حلقة مفقودة أدت إلى العصف بأفراد الأسرة وإلى تصدع جدرانها، فحمل أفرادها تنوعا من الثقافات فجعلت من احد الابوين ملتزما بالأخلاق الفاضلة، او متحررا من تلك الأخلاق، وأما الأبناء وجدوا من الشارع والرفقاء والإعلام والثورة المعلوماتية والعلاقات الاجتماعية مصدر تربيتهم، فتلونت سلوكياتهم في التعامل مع أفراد أسرهم، فطغى على البعض منهم الأنانية والتفرد أو الانحراف الخلقي والتنمر، والعنف وميعت عندهم الأخلاق الفاضلة والسجايا الكريمة والمبادئ الإسلامية، ومبدأ ذلك كله ضعف الوازع الديني والعمل بتقوى الله بالإضافة إلى ضعف شخصية الآباء. الأثر الذي جعل من الأبناء في كل واد يهيمون ومن انتمائهم لأسرهم يتنكرون.
فإذا كان تفكك الأسرة يقاس بمدى ما تفقده من مسؤوليات وتخلي أفرادها عن الأدوار الحقيقية المنوطة لكل فرد. فإن الأسرة المتلاحمة تقاس بمدى نجاحها في مسؤولياتها وواجباتها لقول الرسول «صلى الله عليه وسلم»: «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته».
وإذا أخدنا على سبيل المثال صورة الأسرة المتلاحمة وقمنا بمعاينة نتاج السلوك الايجابي الناجم عن منبع قوة شخصية الآباء وقفنا على نموذج الأسرة الصالحة لبناء مجتمع صالح متماسك نتيجة أعراف ومبادئ وقيم وسلوكيات إسلامية نشأ عليها علاقة زوجية سليمة خالية من فيروسات العنف والتنمر الأسري أسست بأساس التقوى والإيمان والتسامح والاحترام والمساوة والعدل. جعلت منهما المظلة الحاضنة للأبناء وتوفير كافة احتياجاتهم النفسية والجسدية والروحية والفكرية والاجتماعية، فحال ذلك إلى ولادة الإحساس النابض بالانتماء الأسري الذي لا ينساق وراء الغرائز والوساوس الشيطانية. لينعكس بجلاء على الشخصية الناجحة في المجتمع.
أهمية التلاحم الأسري
قال رسول الله «صلى الله عليه وسلم»: «من أصبح آمنا في سربه، معافى في بدنه، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها».
يتحدد أهمية التلاحم الأسري بأهمية التنشئة لأفراد الأسرة وحسن أساليبها من تسامح وتقبل الآخر والحب الذي يرتبط بتفاعل أفرادها الناجح، فيحدث الشعور بالأمن والاستقرار النفسي كما ورد في الحديث السابق «آمناً في سربه» وهو ما يجب ان يتحقق لكل أسرة لحيازة الدنيا.
تمتد علاقة الآباء بالأبناء وتتسع دوائر هذه العلاقة فتشمل تعميق المفاهيم الإنسانية لكل فرد من الأسرة، وإيجاد عملية التطبيع الاجتماعي وتشكيل شخصية الفرد من خلال اكتسابه القيم الإنسانية، فتخلق عنده العلاقة الأخوية والودية فيتحسس الآلام والآمال، والاحترام المتبادل والتصدي للمشاكل العارضة للأسرة وحرية التعبير وطرح الأفكار والمقترحات ويتمرن على تحقيق أهدافه الشخصية في الحياة.
ونتيجة لعلاقة أسرية متلاحمة يصبح الأبناء بارين لآبائهم، عن الصادق قال: «قال رسول الله - ﷺ - رحم الله والدين أعانا ولدهما على برّهما»، «وفي رواية أخرى: «قلت: كيف يعينه على برّه؟ قال: يقبل ميسورة ويتجاوز عن معسوره ولا يرهقه ولا يخرق به، وليس بينه وبين أن يصير في حدّ من حدود الكفر إلا أن يدخل في عقوق أو قطيعة رحم».
وقال «رجل من الأنصار للنبي ﷺ: من أبرّ؟ فقال: والديك، قال: قد مضيا، قال: برّ ولدك»،
قال الله تعالى: ٍٍٍِ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً﴾، ما نود التأكيد عليه هو أن صلة الرحم والتواصل بين أفراد الأسرة هو مفتاح سيادة الأسرة ونجاحها في المجتمع، لأنه عامل يوحد الأسر على أسس دينية تنمي العلاقات الطيبة مع ذوي الأرحام، وشيوع الألفة قال الإمام : «بالتودد تدوم المحبة».
وتواصل الدم مع الأخوال والأعمام وجميع أفراد شجرة العائلة، ويعمقها لغة التفاهم التي تسهم في حل كل مشكلة والبوح عما تختلج النفوس من ضائقات مادية أو فكرية أو روحية أو انفعالية والبعد عن البغضاء والأحقاد والعنف بشتى ألوانه.
إن الالتصاق بين أفراد العائلة قوي فكل منهم يكفل الآخر ويدعم وجوده وان أضعاف أحدهم هو إضعاف للآخر. أي أن هناك مصالح مشتركة قد يؤدي إلى السيادة والجاه أو فقدانها، لذا لم تأت رعاية مؤسسة الأسرة بمعزل عن بقية الأسر فحسب ولكن كمكون جمعي أسري وعائلي ومجتمعي فسيطرتها ومقامها المتميز في المجتمع مضموناً.