رمضانيات ”3“
مقاومة المغريات المادية طيلة ساعات النهار، والتي تتجاوز 14 ساعة يوميا، واحيانا تفوق هذه المدة الزمنية، في بعض البلدان الاسلامية او العالمية، تمثل احد الدروس الجلية لأداء فريضة الصيام، فالمسلم يمتنع طواعية عن تناول المفطرات، دون رقيب او حسيب، منذ صلاة الفجر وحتى دخول الليل، فهو يقدم على الامتناع عن جميع المباحات خلال النهار طاعة لله، ورجاء لغفران الذنوب.
الارادة السلاح القادر على قهر جميع حالات الضعف، ومقاومة الشهوات المادية، فالمرء يمتلك القدرة على تحويل الضعف الى قوة، بفعل الطاقة المعنوية التي يفجرها، للوقوف امام مختلف انواع الضعف، امام شهوة الاكل او غيرها من الشهوات المختلفة، بمعنى اخر، فان الانسان بما يحمل من إرادة، قادر على تحطيم جدار الشهوات، والانطلاق بقوة نحو رحاب التزود بالطاقة الروحية، مما ينعكس على شكل قدرة هائلة، في مقاومة العطش احيانا والجرع تارة.
تهيئة النفس على قهر رغبات الاكل، والشرب خلال شهر كامل، عنصر حيوي في القدرة على مواصلة الصيام، لساعات طويلة في النهار، فالمسلم يتحرك من قناعات راسخة، من الاثار الايجابية الناجمة عن الصيام سنويا، فبالإضافة الى الالتزام باوامر الخالق في الصيام، فان هناك العديد من الاثار المترتبة على اداء الفرض سنويا، حيث اكتشف البعض منها، والبعض الاخر سيتم اكتشافه لاحقا، خصوصا وان التقدم العلمي يمثل احدى الطرق للوقوف، على الجوانب الخافية، على فريضة الصيام على المسلم.
موسم رمضان بما يحمله من قيم روحية، ليست خافية على المسلمين، فهو يشكل محطة سنوية، لتحفيز النفس على التعامل بارادة قوية، ومقاومة الذات الساعية نحو الانزلاق، باتجاه الماديات على اختلافها، فالمرء بفعل العوامل المادية والبيئة الاجتماعية، يقع فريسة سهلة جراء ضعف الارادة، من الأقدام على اتخاذ القرار الصعب والحاسم، مما يستدعي التوقف بشكل مستمر لاستعادة الحيوية، بما يعود على المسلم بالخير في الدنيا والآخرة، والحصول على الفائدة المرجوة، لاسيما وان الارادة تشكل السلاح الأكثر قدرة، على قهر مختلف انواع الإغراءات، في المسيرة الحياتية، مما يستدعي الحصول على الشحنات الكافية، لتفادي الوقوع في فخ الشهوات المادية.
عملية تحفيز الارادة ليست متاحة، في احيان كثيرة لدى شرائح اجتماعية واسعة، مما يستدعي وضع إطار جماعي، يساعد على تفجير هذه الطاقة المعنوية، فالمرء احيانا لا يستطيع مواصلة بعض البرامج الفردية، لأسباب عديدة بعضها مرتبطة بالذات، والبعض الاخر ناجمة عن المحيط الاجتماعي، وبالتالي فان البرامج الجماعية تشكل حلا لفشل البرامج الفردية، لاسيما وان المحيط الاجتماعي يحرك الذات، باتجاه المساهمة الفاعلة، سواء كنوع من التحدي، او لتحقيق النجاح، او لأسباب اخرى، بمعنى اخر، فان شهر رمضان المبارك من البرامج الجماعية، التي تعم ارجاء العالم، باعتباره فرض من الخالق على المسلمين، وبالتالي فان الشهر الفضيل بمثابة عنصر محفز، لتقوية الارادة لدى المسلم، وقطع الطريق امام مختلف انواع الضعف، التي تنتاب البعض في مواصلة المشوار، نظرا لوجود الملايين من المسلمين، يمتلكون القدرة على مقاومة شهوة الاكل، والشرب لساعات طويلة.
امتلاك سلاح الارادة عامل حيوي، لدى المسلم في معترك الحياة، ”المسلم القوي خير من المسلم الضعيف“، فهذا السلاح يقهر جميع الأسلحة الساعية لتحطيم الأحلام، والاهداف المرسومة لتحقيق النجاح.