قصة رمضان...!
يقال أنه شهر من الفرح للروح، ويقال هو شهر - هبات القلب وعطاياه -، فهو الشهر الوحيد الذي يفرض على الباطن أن يعش لحظاته كاملة..!
فريضة سارية الجمع على الله، وجامعة القلب له وفيه ومعه، الإرادة الحرة التي تختار رضا الغيب، على رضا الحس، والأختيار الذي يجعل المسلم يُسلم للغيب صبره وظمئه.. وجوعه.. وهو غمير الرضا، صادق البذل وطاهر العطية، فالصوم عبادة القلب ويقينه، وبه يتحول القلب إلى تطهير ذاته، وإلى حبه للخير إلى كل الخير.. بتمامه وبتعدد صوره ومظاهره الخارجية، أو ذاك «الذكر» المستدام الذي يوحد الشعور في فضاءات القرب. وهي أوسع جانب وأسعد جانب من الصوم وحضوره، وهو ذاك السر الجليل الذي يجعل أيام شهر الله هده تقبل على قلوب المؤمنين به بالمغفرة والرحمة والقرب والجني..
وتمام كل قرب هو حب الخير وحب البذل.. ربما لأن البذل هو التعبير الأكثر صدقا عن تحرر النفس من أغلال شحها التي أتصفت به صفة طبع، وخضعت له خضوع غريزة.
أيام لله بتمامها..! «في أيام معدودات».. ما أن يبدأ حتى يتقاصر، وما أن يسير يوشك أن يبلغ منتهاه، أسرع من غيره حركة، وأخف من كل أيام السنة في الحضور، لمن أغترف حسه، وقرب قلبه، وأدرك بما أستطاع أن يدركه عقله
كل لذة فيه لا يفسرها إلا تكرارها.. ربما تكون سكون جوارحك بصلاة، أو ربما خشوع قلبك بدعاء يُدنيك، أو برفع عاجز ضعيف يرفعك ويطهرك، أو لحظة كشف تتجلى عليك من كتابه المحفوظ، حامل العصمة، الموصوف بالمعجزة، صاحب الصدع، وفاعل الجمع، يصدع قسوة قلبك.. ثم يجمعك على ربك..
وهنالك يتكاثف الإحساس بالحضور.. ويطمئن الوجود في داخلك.. فتتهيأ الفرص النادرة والقليلة الحضور للممارسة الشعور بالخلود السرمد، والقرب منه.
أيام الله المعدودات هذه، فقط تباعد عن كل دائرة حول محور جامد، لأن كل طواف حول غير الله في رمضان.. يضيع منك جميع الأشياء الثمينة والنادرة فيه.. ستفقد ذاتك.. ستفقد فرصتك الكبرى.. ستفقد الوعد الإلهي عن الليلة التي يقدر فيها كل أمر حكيم.. ليلة القدر بكل عطاياها العظمى، ربما حضرت وغاب قلبك، وعطاياها لمن حضر قلبه.. وسكن عقله. فهي الجمال الأبهى.. والكمال الأسمى..!.
في خاتمة آيات فريضة الصيام التي كتبها على المؤمنين كما هي مكتوبة على الدين سبقونا إليه ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ . ذكر القرآن أن الله قريب دائما، ومتجلي دائما.. ولكن لمن تطهر وتخلى قلبه ودنى وأقترب..
وهذا لا يحدث غالبا، ولا نقدر عليه دائما، ومشغولون على الدوام بكل شيء عنه، فيأتي رمضان بوصفه عطية من قرب للراغبين فيه والعاجزين طيلة العام عنه.
هذه قصة رمضان الجامع لقلبك.. والذي يحملك بعطايا الله إليه مرحوما دائما.. وقريبا كل القرب من المغفرة والرضا والقرب الأعظم تكتمل به، وتنفرد عن العالم من أجله.