العهود.. الوثوق
تعتبر الاتفاقيات او المعاهدات رابطة ”مقدسة“، بين الاطراف الموقعة عليها، فهي تمثل الإقرار طواعية، بما تحتوي من بنود واشتراطات، مما يفرض على الجميع الالتزام بحذافيرها، وعدم النكوص عنها، مهما كانت الظروف والاثار المترتبة عليها، خصوصا وان الانسحاب او عدم الوفاء، ينسف المبادئ الاخلاقية المتعارف عليها، في مختلف التجمعات البشرية، وبالتالي فان التفكير في تمزيق الاتفاقيات، يكشف المستوى الاخلاقي للطرف المنسحب، فالمبررات التي يسوقها لتمزيق الاتفاقيات ليست كافية، لتوفير الغطاء الاخلاقي على الاطلاق، الامر الذي يسهم الى فقدان المصداقية والثقة، بحيث تقود الى وضع علامات استفهام، في مختلف المعاهدات التي يتحرك لابرامها في المستقبل.
الوفاء بروح المعاهدات الثنائية، امر تفرض الشرائع السماوية على اختلافها، لاسيما وان الخيانة من اكبر المساوئ، التي تمارسها بعض الفئات الاجتماعية، بخلاف الصدق والالتزام بالكلمة الذي يحظى بمباركة لدى الجميع، بمعنى اخر، فان عدم الالتزام بالوعود المقطوعة، يكشف سوء سريرة احد الاطراف، ”وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ ? إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا“، وبالتالي فان التداعيات المترتبة على تمزيق الاتفاقيات كبيرة، بحيث لا تقتصر على الدائرة الضيقة في احيان كثيرة، وإنما تؤسس لتدمير المنظومة الاخلاقية الاجتماعية، جراء زرع مخاوف حقيقية من انتشار ثقافة الانسحاب، من المعاهدات القائمة او القادمة، نظرا لفقدان الثقة وغياب الاطر القادرة، على تصحيح الأوضاع المعوجة.
التشريعات الدينية والوضعية، تمثل حائطا سميكا للاستناد عليه، لاجبار جميع الاطراف على الالتزام، والوفاء بمحتوى المعاهدات على اختلافها، بيد ان تلك الانظمة لم تكن رادعا، في وضع الكثير من العهود في السكة الصحيحة، فهناك بعض الاتفاقيات تم تجاهلها بعد فترة من توقيعها، والبعض الاخر مزقت قبل ان يجف حبرها، مما يكشف وجود عناصر لا تولي أهمية للمبادئ الاخلاقية، والقوانين الدولية، نظرا لإدراكها بعدم القدرة على محاسبتها، او إجبارها على الالتزام بالمعاهدات الموقعة.
التحولات الاجتماعية، او الظروف الاقتصادية، او المتغيرات السياسية، تشكل عوامل ضاغطة للدخول في بعض المعاهدات، او اتخاذ قرار الانسحاب، وبالتالي فان القناعات بضرورة الوفاء، ليست واردة لدى احد الاطراف، فهو ينتظر الفرصة للانقضاض على بنود المعاهد، استغلالا للظرف المتاح، مما يدفعه لممارسة الضغوط على الطرف الاخر، لإعادة في المعاهد استنادا للمعطيات الجديدة، بحيث يتخذ تلك المتغيرات مدخلا للتلاعب، في نصوص المعاهدات، او اعلان موتها بشكل نهائي، اذ يحاول الظهور بمظهر المغلوب، جراء وجود مخاطر حقيقية في المعاهدات، مما يفرض تعديلها او تجميدها بشكل نهائي، فالتوقيع - حسب المبررات - جاء نتيجة الضغوط التي مارست عليه ابان التوصل للمعاهدات، مما يفرض وضع إطار جديد يضع في الاعتبار التحولات الاخيرة.
احيانا التراجع عن العهود، ناجم عن الشعور بالقوة، سواء نتيجة إبرام تحالفات جديدة، او ادراك حالة الضعف لدى الطرف المقابل، مما يدفعه لمحاولة اعادة ترتيب المعاهدات، بما يحقق الكثير من المكاسب، على حساب الطرف المقابل، بيد ان الحصول على تلك الفوائد مرتبط، بمدى استجابة الطرف الاخر، وتقديم التنازلات.
عملية تمزيق المعاهدات تترك شروخا كبيرة، في جدار القيم الاخلاقية، مما يستدعي الوقوف بحزم امام تلك الممارسات، التي تجلب الوبال على المجتمعات البشرية، خصوصا وان الوفاء بالكلمة تكشف المعدن الحقيقي لصاحبها، وبالتالي فان تكريس الالتزام بالعهود، يعود على البشرية بالخير الكثير.