الدين معاملة.. كلمة حق يراد بها باطل!
بسم الله الرحمن الرحيم
ونحن نمر بالأشهر العبادية الثلاث وعلى مقربة من أجلها وأفضلها الذي أنزل فيه القرآن نميل إلى الأعمال العبادية المقرّبة لله عز وجل، والمفترض بهذه الأعمال أن ينعكس أثرها بالتوبة عن ارتكاب المعاصي والذنوب، لكن برزت لنا حالتان غريبتان:
الأولى/ تجد رجل لا يعير الواجبات اهتماماً بالغاً، ويسرف في ارتكاب الكبائر والإصرار على الصغائر، ويخدر نفسه اللوامة بأن الدين معاملة، وهذه الذنوب بينه وبين ربه وليست في حق العباد والله غفور رحيم، وباب التوبة مفتوح، ويطنطن بعبارة «أهم شي الأخلاق» كالببغاء متباهياً قائلاً: أنا لم أضايق فلان ولم أظلم فلان، وبهذه الأعذار تجده ينغمس في العلاقات المحرمة، أو كما تجد بعض النساء غير المحجبات يرددن بأن العفاف ليس بالعباءة والقماش وكم من محجبة فاجرة، فتخلع الحياء وتدوس على آية الحجاب بهذه الأعذار الواهية.
وكم وكم تجد مجاهرة بشتى الكبائر تحت هذه الأعذار الواهية ومحاربة لحكم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر المذكور في القرآن «كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ» والروايات الشريفة كما ورد عن إمامنا الباقر : «إنَّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سبيل الأنبياء ومنهاج الصلحاء فريضة عظيمة بها تقام الفرائض وتأمن المذاهب وتُحلّ المكاسب وتُردّ المظالم وتعمر الأرض ويُنتصف من الظالم ويستقيم الأمر» [1]
ويتشبث بهذه الرواية التي يرويها الصدوق - رضوان الله عليه - في الأمالي عن أبي جعفر الثاني، عن آبائه عن النبي ﷺ قال: «لا تنظروا إلى كثرة صلاتهم وصومهم وكثرة الحج والمعروف وطنطنتهم بالليل ولكن انظروا إلى صدق الحديث وأداء الأمانة» [2]
وقد ركز هذا الجاهل في الصدق مع الناس ونسي الصدق والإخلاص مع الخالق؟ ونسي الأمانة التي يحملها «إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولا» ونسي خلافته للأرض.
الثانية/ حالة الميل للتصوف، ولا أقصد بالتصوف هنا مذهب عقدي أو شيخ طريقة، إنما أقصد وجود حالات منغمسة في الرياضات الروحية وتزكية النفس، بينما هي غارقة بنفس الآن في الذنوب كالعلاقات المحرمة وسماع الأغاني، فهي تخدر نفسها اللوامة بهذه الأعمال، كاذبة على ضميرها متناسية أن «الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر».
فهاتان حالاتان نرى نموهما في مجتمعنا تحت غطاء «أهم شي الأخلاق» «الدين معاملة» متناسين أن «أشد الذنوب ما استهان به صاحبه» [3] ، وهل سنعود لزمن فرقة المرجئة[4] ؟
لا ننكر أن الإيمان بالقلب، لكن هذا الاعتقاد يجب أن يترجم لطاعة الإله في العمل بأوامره واجتناب معاصيه، ولا تُتّخذ رحمة الله ذريعة للذنوب، وليس الدين بالأهواء والنزعات.
أرجوا أن تكون الشهور الثلاثة رمضان وشعبان ورجب شهور توبة لنا، «وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي ۚ إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي ۚ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ» فلا تنسونا من صالح دعائكم.
والحمد لله رب العالمين.