آخر تحديث: 24 / 11 / 2024م - 10:22 م

الموقف.. الثمن

محمد أحمد التاروتي *

المواقف تختلف باختلاف الاهداف المرسومة، فهناك مواقف ثابتة، وغير قابلة للمساومة، او التنازلات، كونها ذات علاقة مباشرة بمجموعة القيم، والمبادئ الدينية، مما يفرض الثبات والصمود، ومقاومة مختلف انواع الضغط، ورفض الإغراءات المقدمة، الامر الذي يفسر استمرار البعض على المواقف، التي يطلقها حتى اللحظات الاخيرة، دون النظر العواقب المترتبة على التمسك بالمواقف.

بينما يطلق البعض المواقف مرتبطة بالمرحلة الزمنية، والظروف الاجتماعية، والتحولات السياسية، فالمواقف المهادنة والمعارضة مرهونة بالثمن المدفوع، بمعنى اخر، فان المواقف لا تعدو عن كونها لعبة قابلة للبيع والشراء، وبالتالي فان المواقف تعرض في السوق قابلة للمفاوضة، تبعا لمقدار الثمن المدفوع، فكلما كانت القيمة مرتفعة، كلما ارتفعت نبرة الصوت، وتسخير جميع الإمكانيات، في سبيل الانتصار، للطرف المستعد للدفع بأعلى الاسعار، ”فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَ?ذَا مِنْ عِندِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا ? فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا يَكْسِبُونَ“.

الموقف المرتبط بالمصالح، سواء كانت اجتماعية او مادية، يشكل خطورة كبرى على التماسك الداخلي، في البيئة الاجتماعية، فالأطراف المستعدة للتنازل بمجرد ”القبض“، بمثابة الطابور الخامس، مما يؤسس لحالة من انعدام الثقة في المحيط الاجتماعي، نظرا لوجود اختراقات غير خافية، خصوصا وان اصحاب المواقف المدفوعة، لا يتورعون عن التباهي بالمواقف الجديدة، جراء الاحساس بوجود أطراف قوية قادرة، على توفير الحماية من جانب، ومن جانب اخر، فان التفاخر بالمواقف المغامرة، مرتبط بوجود قناعة، بانحسار التأثير الاجتماعي للحليف السابق.

التحول الجذري في المواقف، مرتبط بالحالة النفسية غير المستقرة، فهناك عناصر تعيش حالة صراع داخلي، حيال الثبات على المواقف، بحيث يتحول الصراع الداخلي الى اضطرابات نفسية، تنعكس على صورة تغييرات مفاجئة، وغير مفهومة على الاطلاق، مما يستدعي محاولة معالجة، تلك الظهور بطرق عقلانية، لتقليل حجم الخسائر، خصوصا وان التأثير لتلك العناصر كبيرا، نظرا لما يتمتعون به من نفوذ اجتماعي واسع، بمعنى اخر، فان الاطراف المنافسة تجد في الصراعات الداخلية، لبعض العناصر فرصة سانحة، لتحييدها بالحد الأدنى، من خلال تقديم المزيد من المغريات، من اجل تحقيق الانتصار على الخصم، وأفراغ الساحة من الأصوات المزعجة.

يمارس البعض اُسلوب بالتلاعب بالمشاعر، وإتقان فن التمثيل، من اجل للحصول على الثقة، وبالتالي اختراق البيت الداخلي لبعض الجماعات، بمعنى اخر، فان التخلي عن المواقف ليس مرتبطا بوجود قناعات مسبقة، وإنما كانت عبارة عن تمثيل لتحقيق مصالح ذاتية، بيد ان ظهور المواقف على حقيقتها، ناجم عن الشعور بعدم القدرة، على تحقيق المآرب الشخصية، فهناك العديد من العناصر تتحرك في إطلاق المواقف، من امال واحلام، سرعان ما تصطدم بالواقع، مما يؤدي لإعادة ترتيب المواقف، انطلاقا من التطورات، والمستجدات على الارض.

بكلمة، فان الموقف في احيان كثيرة، يمثل الورقة التي تحدد مصير المرء، فاذا كان مبدئيا، فانه سيخلد اسمه في ذاكرة التاريخ، ويحظى بالاحترام الاجتماعي، فيما سيكون لعنة التاريخ عندما يكون متذبذبا، وغير ثابت، ﴿مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَ?لِكَ لَا إِلَى? هَ?ؤُلَاءِ وَلَا إِلَى? هَ?ؤُلَاءِ ? وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلً.

كاتب صحفي