جنون.. تعقل
الخروج عن المألوف، يشكل صدمة كبرى، لشرائح عديدة بالمجتمع، اذ يعد البعض جنونا، والاخر انتحارا، والثالث إلقاء النفس في التهلكة، فيما تعتبره بعض الفئات مغامرة غير محسوبة النتائج، الامر الذي يفسر المعارضة الشديدة، تجاه تلك التحركات، نظرا للآثار المترتبة على الوقوف خلفها، حيث يمثل الجهل عاملا أساسيا، وراء المواقف المتشنجة، او المعارضة، ”الناس اعداء ما جهلوا“.
مخاطبة العقول بالطريقة التي تناسبها، يمثل احد الخيارات المتاحة، لمواجهة الاتهامات غير المتوازنة، الصادرة من الشرائح الاجتماعية المعارضة، خصوصا وان القدرات الاستيعابية تختلف من شخص لآخر، ومجتمعات لأخرى، نظرا لاختلاف المستوى الثقافي، بمعنى اخر، فان الجنون في مجتمع يعد اعتياديا في مجتمع اخر، وبالتالي فان القدرة على مخاطبة الاخر بالمفردات المناسبة، مدخلا أسياسيا لامتصاص الصدمة الكبرى، مما يؤسس لاختفاء اتهامات الجنون، ”نحن معاشر الأنبياء امرنا ان نخاطب الناس على قدرة عقولهم“.
قياس الجنون في نظر البعض، مرتبط بالقدرة على احتساب الخسائر والأرباح، فكلما كانت الخسائر كبيرة، كلما مالت الكفة لاتجاه الجنون والضياع، فيما يغفل هؤلاء ان الحسابات المادية، ليست مقياسا لتحديد الجنون او التعقل، خصوصا وان هناك اعمالا جليلة تستحق البذل، والعطاء دون النظر للتضحيات الجسيمة، فالشهادة بالمقاييس المادية خسارة كبرى، حيث تشكل جنونا وعملا خاسرا، فيما تعتبر تجارة رابحة من الناحية العقائدية والدينية، باعتبارها طريقا لدخول الجنة، وترسيخ القيم الفاضلة.
عملية التعاطي مع الثقافة الاجتماعية، تشكل مدخلا في احداث تحولات، في النظر للمشاريع ”اللا معقولة“، بمعنى اخر، فان الصدمة الكبرى تخلق تفاعلات مختلفة، على صعيد القبول الاجتماعي، مما يستدعي وضع إطار جامع، قادر على احتضان الجميع، من اجل احداث تغييرات تدريجية، الامر الذي يؤسس لمرحلة مغايرة تماما، بحيث تقود الى تحويل الجنون الى تعقل او قبول، لاسيما وان غياب المعرفة التامة، لدى الكثير من الشرائح الاجتماعية، يولد حالات من النفور والرفض، مما يستدعي إيجاد المناخات المساعدة، على تأسيس حالة من التعقل، وامتصاص المعارضة الشديدة.
الكثير من التحولات الثقافية، او المشاريع الإصلاحية، وجدت معارضة شديدة من الوهلة الاولى، نظرا لانعدام الارضيّة الثقافية القادرة، على تفهم او استيعاب الاهداف الحقيقية، وراء إطلاق تلك المشاريع، بحيث تبرز على شكل إطلاق العبارات الجارحة على أصحابها، ”وَيَقُولُونَ أَإِنَّا لَتَارِكُوا آلِهَتنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُون“، فأصحاب المشاريع الكبرى يواجهون الكثير من المصاعب، في سبيل ترسيخ تلك الافكار في المجتمع، وبالتالي فان الصبر والتحلي بالحكمة والتعقل، تمثل السبيل المناسب لمواجهة تلك المعارضة الشديدة، بمعنى اخر، فان الاهداف الكبرى، تتطلب المزيد من التروي، والقدرة على استيعاب الصدمات الاجتماعية على اختلافها.
يبقى ان الخروج عن المألوف أمرا مطلوبا، فيما يتعلق بعملية الاصلاح الشاملة، باعتباره الطريق نحو اخراج المجتمع، من حالة بائسة الى مستقبل مشرق، بينما يشكل الجنون القائم على رفض القيم الفاضلة، حالة شاذة ومرفوضة من العقلاء.