آخر تحديث: 24 / 11 / 2024م - 10:22 م

فرصة أخرى

السيد فاضل علوي آل درويش *

بعد وقوع خطأ أو إساءة في حقه يأتي القرار السريع والحاسم الذي لا تردد فيه، بقطع العلاقة معه وجعل ما وقع هو نهاية مشوار من العلاقة المستقرة ولا يمكن إكماله إلى النهاية، وعليه أن يخرج سريعا من دائرة التواصل معه بكافة أشكاله وإقفال خط الرجعة.

تتباين الرؤى حول القطيعة السريعة لمجرد صدور خطأ من أحدهما، مع عدم إصراره على توجيه الإهانة أو مسح الكرامة لصاحبه، فهناك من يرى في هذا الموقف بادرة لخلافات قد يشتد إوارها، وعليه من الآن وقف نزيف المشاحنات القادمة لا محالة، فهو غير مستعد للعيش في وسط دوامة من المناكفات والمضاربات الكلامية التي تستنزف وقته وجهوده.

هذا التفكير السريع بالقطيعة والمعبر عنه بكبسة زر هو السائد في محيط الشباب والفتيات، ولعل شبكات التواصل الاجتماعي تشهد لهذه الطريقة من التفكير، من خلال حذف الآخر أو تعليق الصداقة معه لمجرد الدخول في نقاش أو رؤية موقف صادر من الآخر لم يعجبه، كما أن السرعة الفائقة التي ظهرت اليوم في مشهد العلاقات الزوجية في مرحلة الخطوبة، والاتجاه بلا تؤودة أو روية نحو طلب الانفصال من أول خطأ أو تباين وقع بينهما، لهو خير دليل على التركيبة العقلية المفزعة تجاه معالجة الأخطاء والخلافات، فلا التصعيد والتعامل معها بانفعالية حادة يعد أمر مقبولا، ولا القطيعة المسوغة للانفصال من أول خطأ لم نفسح فيه للآخر حتى مجرد التوضيح مقبولة أيضا، فلا فسحة ولا مساحة من الاختلاف في الرؤى أو قبول الرأي الآخر أو التسامح وقبول عذره إن أخطأ في حقه، إذ يرى أن المستقبل ينبيء بمشهد قاتم في علاقتهما، وعليه أن يبادر لحذف أي منغصات تسبب الكدر والهم في حياته وإن تعلق بإخفاء أشخاص من حياته، أي الغلطة تكلف غاليا ولا مجال لأي فرصة أخرى يقدمها للآخر ليثبت بها أن ذلك الخطأ غير مقصود، وأنه ليس بذاك الشخص السيء كما يظن صاحبه، وأن الأيام ستشهد مواقف تثبت له أنك تحترمه وتتمنى له الخير وتبدي استعدادا لمساندته والتواصل معه بما يحمل الخير للجميع.

في الحقيقة هذا الطريقة من التفكير تنبيء عن ضيق في أفق التعقل وضحالة وجدانية، لا تسمح بوجود تباين حول فكرة ما لعدم الاقتناع بها، ولا تنظر لحقيقة واقعية تتعلق بطبيعتنا كبشر لا نعصم من الخطأ، فهل يراد منا أن نتحول إلى وجودات آلية «ربورتات» تسير وفق برمجة، فنحيا مثالية من التعامل الذي يختفي منه كل أشكال الخطأ بحق الآخر، فنضمن بذلك نجاحا واستقرار في علاقاتنا؟

هذا ضرب من الخيال في الحقيقة ومخالف للطبيعة البشرية، ولولا ورود الخطأ والإساءة غير المقصودة لما تشكلت ثقافت التسامح وقبول الاعتذار، والتي تعد من أهم المفردات الأخلاقية والتعاليم الاجاماعية المعالجة لبوادر خلاف قد ينشأ منها، وتعيد صفو العلاقة وألقها بعد استشعار الآخر محبتك واحترامك له، وأنك لم تقصد أي جرح لكبريائه أو إيذاءه.

وهذه الفسحة والبؤرة المشتركة التي تعالج بها القضايا الخلافية بهدوء هي سبب ديمومة العلاقات الاجتماعية والأسرية، وعلينا التفريق بين أشخاص اعتمدوا الإساءة للآخرين على طول الخط، وبين زوج وزوجة أو صديق أو زميل عمل صدرت منه زلة في لحظة طيش أو غفلة، قد أعقبها باعتذار ينبيء عن احترام لم تنحسر مياهه.

513872