آخر تحديث: 24 / 11 / 2024م - 10:22 م

ثورة اجتماعية «35» الإمام الحسين والثورة الفرنسية

حسين نوح المشامع

جاء في القرءان الكريم: «ذُرِّ‌يَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ» «34» آل عمران

وقال رسول الله ﷺ: «حسين مني وأنا من حسين» *

لا تفترق هذه الحلقة كثيرا عن سابقتها من حيث تدشينها، فلقد دشنت بوجودنا وسط مشاة مدينتنا، وخلال فترة انتقال الحافلة متجهة إلى الإحساء، حيث كنا في رحلة سياحية لتلك الديار.

اكتمل الحضور فالتفوا في دائرة واسعة، وأخذت صورا تذكارية تخليدا للمناسبة.

تحركت الحافلة بعد جلوس الركاب في مقاعدهم، وانتهاء المسئولون من إعطاء الإرشادات والنصائح.

استقرت النفوس في أبدانها والأجسام في أماكنها المخصصة، بعد انطلاق الحافلة تعب الشوارع أمامها، كأنها حية تسعى.

التفت إلى احد الأخوة الحضور موجها سؤالا استفهاميا:

لماذا اخترت الثورة الفرنسية بالذات لتتكلم عنها، وما هي علاقتها بالإمام الحسين . ونحن نعلم أن الثورة الحسينية قامت سنة 680 ميلادية، بينما الثورة الفرنسية قامت سنة 1789 ميلادية.

أي أن بينهما قرابة 1100 سنة ميلادية؟!

فقلت لمحدثي: بما إنكم مهتمون بهذا الموضوع كثيرا فيجب علينا اخذ زاوية جانبية من الحافلة تضم جميع المهتمين، لنتمكن من اخذ كامل حريتنا في النقاش ويأخذ الآخرين حريتهم في عمل ما يشاءون.

تابعت حديثي قائلا: أن موضوع الحلقة جديدا بعض الشيء على البعض، وقد يكون مفاجئا للبعض، لكني أود القيام بمقارنة علمية بين الثورة الفرنسية والثورة الحسينية.

مادمنا سنتكلم عن الثورة الفرنسية، دعني أسألك لماذا قامت هذه الثورة؟

يقول المحققون: لقد قامت الثورة انقلابا على الحكم الملكي القائم آنا ذاك وتعنّت الكاثوليك وعرقيّة النبلاء، وحياة الخنوع والعبوديّة والذّل والهوان التي كان يمر بها الشعب الفرنسي خلال ذلك العهد.

من قام بهذه الثورة؟

يذكر المحققون إن من بين من قام بها الطفل البريء، والمومس العاهر، والعامل الكادح، والفلاّح المنهك، والقس المتحرّر عن مبادئ الهرطقة والتكفير، والأديب، والمفكّر، والفيزيائي، والطبيب، وكان كلهم في صفّ واحد.

ما هي نتائج الثورة الفرنسية؟!

يذكر الباحثون إن للثورة الفرنسية نتائج جيدة وأخرى سيئة على كافة المستويات.

أولا اذكر لنا النتائج الجيدة؟!

يوضح المحققون إن من نتائجها الجيدة التطور التكنولوجي والفيزيائي والريّاضي والسياسي والاجتماعي والحضاري والمدني، الذي رمى بعصر الانحطاط وما يسمّى بعصور الظلام في سلّة مهملات العدم، وآخذتً بأوربا وبمجتمعها إلى ما نشهده اليوم من تطوّر «ولا أقول تقدّم»

مدني ساحق. [1] 

وما هي النتائج السيئة؟!

منّ النتائج السيئة والسلبية أن رجالات الثورة الفرنسيّة وإن حقّقوا إيجابيّات كبيرة مؤثرة إلاّ أنّ كثيراً منهم فيما بعد الثورة تعاطوا مبادئ ميكافيليّة للحفاظ عليها.

فكان الاضطهاد والإعدام العشوائي في الطرقات، بسبب وبغير سبب، وظهور الطبقيّة لكن بلباس جديد، كالبرجوازيّة، وخروج رأس القوميّة من الشرنقة وغير ذلك، أخذ بدَيْمُومة تاريخ الثورة ليكون أسيراً في زنزانة العدميّة الأخلاقيّة. [1] 

والآن اذكر لنا ما هو وجه الشبه بين الثورة الفرنسية التي قامت سنة «1789» ميلادية اثر انقلاب سياسي وثوره شعبية، وثورة الإمام الحسين التي قامت حوالي سنة «680» ميلادية، اثر انقلاب المسلمون على أعقابهم وتردي أوضاعهم خاصة في حقبة الحكم الأموي؟!

هناك تشابه ولو بسيط بين الثورتين، حيث أن الثورة الفرنسيّة انطلقت من مبادئ دَيْمُومة تاريخيّة، كالحريّة والعدالة والمساواة وتحرير العقل من قيوده. وهذا لا يختلف كثيرا عن ما قام من اجله الإمام الحسين .

غير إن الإمام قام بالإضافة إلى ذلك الحفاظ على ناموس الدين، الذي أراد هدم أركانه الأمويون. ولكن ؤلئك قاموا ضد الدين الذي كان يمثله كهان الكاثوليك المدافعون عن الحكام الظلمة المستبدون.

وهل هناك وجه تشابه آخر بين الثورتين؟!

نعم، فرغم قلة من التف حول الإمام الحسين في ثورته الذين لم يصلوا إلى المائة في مجموعهم، وكانوا من مختلف طبقات المجتمع، ابتداء من الطفل الرضيع، والشاب اليافع، والعبد المملوك، والشيخ الكهل، ولم تكن المرأة بعيدة عن هذه الثورة، بل ساهمت في إنجاحها خلال وبعد الفاجعة.

وما هو الفرق بينهما؟!

أما الفرق بينهما أن رواد الثورة الفرنسية وصلوا إلى سدة الحكم واستلموا مقاليدها، بينما الإمام الحسين وأصحابه صرعوا جميعا على بغواء كربلاء.

وهل هناك فرقا آخر؟!

الفرق الكبير الذي بين الثورتين هو انقلاب رواد الثورة على أعقابهم وقتل من ساهم في إنجاح ثورتهم بسبب وبلا سبب.

ولكن لم يتمكن الإمام الحسين من الوصول إلى سدة الحكم، فكيف لنا الحكم إذا كانت نتائج ثورته ستكون خلافا لنتائج قادة الثورة الفرنسية أم لا؟!

لدينا يقين قوي لا يشوبه أدنى شك أن لو كتب للإمام الحسين الوصول إلى سدة الحكم فلن يكون مجانبا لما قام به أبيه وأخيه من قبله من بسط العدل والقسط في الناس، لأنهم خرجوا من مشكاة واحدة، ولأنهم من الذين اذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا.

ولكن.. ولكن ماذا؟!

ولكن المشكلة كانت في الناس الذين كانوا حوله أبيه وأخيه، والذين لم يكونوا بمستوى المسؤولية فانقلبوا ضدهما بل حاربوهما ووقفوا في صف من حاربهما، لأنهم لم يستوعبوا الهدف من وصولهما للحكم.

لذا أجل حكم أهل البيت باستشهاد الإمام الحسين واستشهاد أصحابه حتى قيام الإمام المهدي في آخر الزمان، كما قال الله في كتابه: «ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين» «5» القصص

وهل هناك فرق جوهري آخر بين الثورتين؟!

الفرق الجوهري بين الثورتين، هو بقاء تأثير الثورة الحسينية حية في النفوس إلى يومنا هذا، يرفع إليها الناس أنظارهم باحترام وتقدير رغم اختلاف مذاهبهم وأديانهم، يستلهمون منها الدروس والعبر لحياتهم، وقد عبر غاندي الزعيم الهندي عن ذلك بقوله: «تعلمت من الحسين كيف أكون مظلوما فانتصر». [1]  ولكن الثورة الفرنسية ذهب بهائها ورونقها بوصول رواد الثورة إلى سدة الحكم.

ما هو وجه الشبه بين شهداء الثورة الفرنسية وشهداء كربلاء؟

سؤال جيد كنت بانتظاره، ففي اللاشعور الثوري لأولئك الشهداء، شهداء الثورتين، كما يقرر علم نفس الثورات، أدركوا ما هو غاية وما هو وسيلة بدقّة مثمرة متصاعدة. فإذا كان المنطق البسيط يرى في الحياة غاية، فاللاشعور الثوري لشهداء الثورتين لم يكن يراه إلاّ وسيلة لغاية أسمى وأعظم. * لذا ضحوا بأنفسهم وكل ما يملكون دون أن ينتظروا أو يلتفتوا لنتائج ثورتهم.

إذا هؤلاء الثوّار رجّحوا الموت والشهادة على ذلك الضرب من الحياة؛ حياة الخنوع والعبوديّة والذّل والهوان، التي هي في النتيجة علّة العدم والفناء.

هنا وصلنا لأول معلم سياحي أحسائي، فانتهى الحديث عند هذا الحد، ونزلت المجموعة لتسيح في أرجاءه.

«ديموتاريخ الرسول محمد ﷺ وديموتاريخ الحسين [1]