آخر تحديث: 24 / 11 / 2024م - 10:22 م

إهانة.. حماية

محمد أحمد التاروتي *

هناك بون شاسع بين الاهانة والحماية، فالاولى تحمل في طياتها امتهان شديد، واسقاط مادي ومعنوي، بينما الثانية تحمل في طياتها عناصر إيجابية، خصوصا وانها تظهر الوجه المشرق من السجايا، والاخلاق النبيلة، الامر الذي يفسر التقدير والاحترام، لاصحاب المبادرات الذاتية للدفاع عن الضعفاء، فيما ينبذ اصحاب الانحطاط الاخلاقي، والذي يترجم على شكل إهانة الاخرين، دون الاعتبار للمستوى المادي، او الاجتماعي.

الحامية كمفردة تعطي انطباعات إيجابية، باعتبارها من الكلمات التي تظهر الجانب الإيجابي، في تسخير القوة في توفير الامن للاطراف، التي تعيش حالة من الاضطراب والخوف، سواء نتيجة الافتقار للقدرات للدفاع عن النفس، او بسبب التهديدات الخارجية التي يصعب الوقوف بوجهها، الامر الذي يفرض البحث عن أطراف قوية قادرة، على تحقيق الاستقرار النفسي، او تعزز الاستقرار الأمني.

البعض يطلق لنفسه، العنان في إهانة الاخرين، بدواعي ممارسة الحماية للاخر، بحيث يستخدم العبارات الجارحة في السر والعلن، الامر الذي يترك حراكا عميقة في النفس، نظرا لعدم القدرة على المواجهة، وايقاف الطرف القوي، خصوصا وان الحاجة للحماية تفرض ابتلاع ”الموسي“ على مضض، من جلال تجرع الاهانات المتتابعة، التي تصدر في مناسبات عديدة، واحيانا تظهر بدون مناسبة، باستثناء رغبة ”الحامي“، في ممارسة الاذلال تجاه الطرف الضعيف.

ضريبة الحصول على الحامية، تختلف باختلاف الطرف القوي، فتارة تكون على شكل سلب الارادة السياسية، وعدم السماح بالتحرك بحرية تامة، دون الحصول على الضوء الأخضر، وتارة اخرى تظهر تبرز على صورة سلب النفوذ الاجتماعي، عبر إظهار شخصيات اقل شأنا، وثالثة تتمثل في الهيمنة على مفاصل الثروة الطبيعية، ورابعة من خلال فرض صفقات اقتصادية خاسرة، الامر الذي يكرس المهانة والاذلال للطرف الضعيف، خصوصا وان القوي يدرك ضعف حيلة الطرف الاخر، مما يجعله يزيد من الضغوط، للحصول اكبر المكاسب المعنوية والمادية.

اختيار غير المناسب لتوفير الحماية، يشكل احد الأسباب وراء الشعور بالإهانة، خصوصا وان الاخلاقيات تفرض نفسها في طريقة التعامل، وتحديد اليات العلاقة بين الطرفين، فهناك أطراف تعتبر الحماية، كنوع من تبادل المنافع بين البشر، مما يستدعي وضع اطر وضوابط، تحول ممارسة القهر او سلب الارادة من الضعيف، باعتبارها من الخطوط الحمراء، التي يصعب الاقتراب، منها في جميع الاحوال، الامر الذي يمهد الطريق امام علاقة ذات صبغة اخلاقية، بعيدا عن الانتهازية المقيتة.

في المقابل فان الحماية القائمة، على مبدأ ”السيد“ و”العبد“، تفرض إيقاعا خاصا، في نوعية العلاقة بين الطرفين، فهذه النوعية من العلاقة تسقط جميع الخطوط الحمراء، او الاطر الاخلاقية الانسانية، الامر الذي يظهر على شكل أوامر واجبة النفاذ، اذ يعتبر ”السيد“ الطرف الاخر ”خادم“، لا يملك من أمره شيئا، مما يدفعه لممارسة مختلف انواع الاهانة، دون الشعور بتأنيب الضمير، او مراعاة الوضع الاجتماعي، او غيرها من الاعتبارات المادية او المعنوية.

الاهانة تكون في معظم الأحيان مصير العلاقات غير المتكافئة، نظرا لشعور الطرف القوي برجحان كفته، مما يدفع لاستغلال هذه الورقة الرابحة، في استنزاف الطرف المقابل على الدوام.

كاتب صحفي