الانتظار... منهج بناء
ما هي انعكاسات مفهوم الانتظار على الذات وعلى الأمة؟
كثيرة هي الروايات التي تتحدث عن مفهوم انتظار الفرج وأنه من أفضل العبادات، فقد روي عن رسول الله ﷺ أنه قال: «أفضل العبادة انتظار الفرج» [1] . وروي عن الإمام علي أنه قال: «أفضل عبادة المؤمن انتظار فرج الله» [2] وغيرها من الروايات.
ماذا يعني انتظار الفرج في زمن الغيبة؟
1. بناء علاقة إيجابية مع الإمام المهدي «عجل الله فرجه الشريف»
عندما تحب شخصاً ما، وعندما تحب عملاً ما، فإنك تعبر عن حبك بكثرة الاتصال به، والتعلق بالعمل واتقانه، وهكذا الحال بالنسبة لنا مع الإمام الحجة، لابد أن نترجم هذا الحب ببرنامج عملي يقوي العلاقة بيننا، وذلك من خلال بعض المفردات التالية:
- المواظبة على قراءة الأدعية الخاصة بالإمام كدعاء العهد الذي يقرأ في كل صباح، ودعاء الندبة المستحب قراءته كل يوم جمعة، وفي الأعياد، ودعاء ليلة النصف من شعبان، وكذلك الإكثار من قراءة دعاء «اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن المهدي صلواتك عليه وعلى آبائه في هذه الساعة وفي كل ساعة، ولياً وحافظاً وقائداً وناصراً ودليلاً وعيناً، حتى تسكنه أرضك طوعاً وتمتعه فيها طويلاً».
- زيارته وهي من الأمور الّتي تقوّي العلاقة بصاحب العصر عجل الله تعالى فرجه الشريف، وقد ورد الحثّ عليها في الكثير من الموارد. قال الكفعميّ رحمه الله: «يُستحبّ زيارة المهدي في كلّ مكان وزمان والدعاء بتعجيل فرجه صلوات الله عليه...» ومنها زيارته يوم الجمعة.
- الحزن على غيبة الإمام، والدعاء له «عجل الله تعالى فرجه» بأن يُحفظ من شر شياطين الجن والانس ويعجل الله فرجه وينصره على الكفار والملحدين ومن أشبههم.
- استحباب اعطاء الصدقة عنه «عجل الله تعالى فرجه» ولحفظه.
- يستحب القيام عند سماع اسمه الكريم «عجل الله تعالى فرجه».
2. بناء الشخصية الملتزمة
ورد عن الإمام الحجة «عجل الله فرجه»: ”فَلْيَعْمَلْ كُلُّ امْرىء مِنكُمْ بِمَا يَقرُبُ بهِ من مَحَبَّتِنا، ويَتَجَنَّبُ مايُدْنيهِ مِنْ كَراهَتِنا وسَخَطِنا فَإِنَّ أَمْرَنا بَغتَةٌ فُجاءَةٌ حِينَ لا تنْفَعُهُ تَوْبَةٌ وَلا يُنجِيهِ مِنْ عقابِنا نَدَمٌ علَى حَوبة، واللهُ يُلْهِمُكُمُ الرُّشْدَ، ويَلْطُفُ لَكُمْ في التَّوفِيقِ بِرَحْمَتِهِ“ [4]
ولذلك فإن المنتظر الرسالي هو الذي يستمر في بناء ذاته من خلال:
«البناء العبادي»: أي التزامه بالواجبات الإلهيّة وترك المحرّمات ومراعاة التقوى والتخلّق بالأخلاق الحسنة ليكون مستعدّاً لنصرة الإمام وتلبية ندائه عند ظهوره.
«البناء النفسي»: أي شحن ذاته وتعزيز روحيته بشحنات الأمل والطموح والتغلب على المصاعب والمعضلات، وأن لا تتوقف حركته التكاملية في هذه الحياة بفعل اليأس والتشاؤم وبسبب تلك المنعطفات الخطيرة.
«البناء الثقافي»: أي رفض الثقافة الميتة، الثقافة التي تكبل حركة الإنسان وتدعوه للكسل والانتظار السلبي، ورفض ثقافة اللامسوؤلية، وتأسيس ثقافة التغيير والبناء، والتطلع إلى المستقبل.
وأفضل منهج لذلك هو التأمل في أدعية الإمام كدعاء الندبة.
3. بناء مشاريع ومؤسسات حيوية
لأن الانتظار هو عمل وفاعلية، وإنجازات إنسانية، لذا كان يتحتم علينا بناء مجتمعاً مترابطاً متماسكاً قويا من خلال:
- إنشاء مؤسسات ومشاريع ثقافية وخيرية تعنى بشؤون الأمور الثقافية المتعلقة بإحياء مناسبات أهل البيت ، وإقامة الدورات الثقافية البناءة والهادفة لتوعية الناس بما يتناسب ومتطلبات العصر.
- إنشاء مراكز دراسات وأبحاث علمية متخصصة.
- إنشاء مراكز اجتماعية تساهم في حل مشاكل الفقر والمشاكل الصحية والاجتماعية. وهذا ما يفصله دعائه «عجل الله فرجه الشريف» للمؤمنين عامة: «إلهي بِحَقِّ مَنْ ناجاكَ، وَبِحقِّ مَنْ دَعاكَ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ، تَفَضَّلْ عَلَى فُقَراءِ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ بالْغناءِ وَالثَّرْوَةِ، وَعَلَى مَرْضَى الْمُؤْمِنينَ وَالْمُؤْمِناتِ بِالشِّفاءِ وَالصِّحَّةِ، وَعَلَى أحْياءِ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ بِاللُّطْفِ وَالْكَرَامة، وَعَلَى أَمْوَاتِ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ بِالْمَغْفِرَةِ وَالرَّحْمَةِ، وَعَلَى غُرَباءِ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ بِالرَّدِّ إِلَى أَوْطانِهِمْ سَالِمِينَ غَانِمِينَ، بِمُحَمَّد وَآلِهِ أَجْمَعِينَ» [5]
وهكذا فإن الانتظار ثقافة ومفهوم حضاري يدخل في تكوين عقليتنا وأسلوب تفكيرنا ومنهج حياتنا ورؤيتنا إلى المستقبل، وهو منهج بناء الفرد والأمة.