آخر تحديث: 24 / 11 / 2024م - 10:22 م

جزعُ المشتري

المهندس هلال حسن الوحيد *

من يملكُ المالَ منا نحن البشر يشتري الأشياءَ وبُعيدَ شراءها يقولُ هل هذا حقاً ما أريد؟ نحسبُ كم صرفنا من مالٍ في شرائها وإن كانت داراً أو عقاراً قلنا هذا ما صرفنا فيه من أموالنا وأعمارنا؟ عاطفتنا لا تعطينا فرصةً للكلامِ أحياناً وعقلنا في أكثر الأوقاتِ يقلب أيدينا ويقول صفقةٌ غير مربحة، أعيدوها. نركض للبائع رأسنا منحنٍ من الحياءِ ونقول هلا أخذتها؟

ليس فقط نشتري السلعَ بالمالِ ولكن نشتري الآثامَ والخطايَا والجزعُ والندمُ لا يأتيانِ إلا بعد حين. نقول هاتوها ونشتريها كل حين. الشيطانُ يبيعها والرب يستردها ونحن نشتريها يقيناً أن في الوقتِ سعةٌ والسوقُ مفتوحةٌ كل حين إن طابت أرواحنا منها أو عجزت أبداننا عنها، نشتريهَا من الشيطان والرب يردها منا.

يعطينا الباعةُ فرصةَ إعادة البضاعة في يومين أو أكثر والرب يقول متى ما لم يغلق الموتُ شفتيكم نأخذها منكم ونعطيكم بضاعةً صالحة. طولُ مدة الاسترداد تغرينا نحن البشر بألا نجزعَ وكأننا نعرفُ الساعةَ التي يَصرخُ فيها ملكُ الموتِ أيها الروحُ تعالي. عندها يصبحُ الجزعُ حقيقةً لا مجازاً.

سوق استرادِ الجرائرِ لا يغلقها الرب وتنشط في شهر رمضان، تفتح أبوابها طول الوقت وتتسع عندما يغلق باعةُ الدنيا أبوابَ دكاكينهم. ليس علينا سوى أن ننظر ما اشترينا ونحرق قلوبنا أساً ونقول اغفر لي ياربي، ضَعفتْ نفسي واشتريتُ خطايا وأرغب في إعادتها وإن خارت قوانا وسقطت مقاومتنا  مثل أوراقِ الخريف واشتريناها مرةً أخرى، لا ينفك يُنبتُ علينا الرب يقطينَ الرحمة ويستردها. ما نشتريه من آثامٍ هو الحقيقة وليس ما نشتريه من متاعٍ فهو لا يمثل حقيقة الشراء.

اخترعت المدنيةُ الحديثة نفائسَ البضاعةِ والملذات ولكن ما اخترعه الشيطانُ في طول التاريخ أكثرَ إغواءً. ملذاتٌ تلامس الجسدَ والروحَ والعقلَ وباعةٌ يلعبون بعواطفنا ويدخلون إلى خدورنَا لا يمنعهم بابٌ أو بواب. إن اشتريت في القادمِ من الأيام سيارةً أو بيتاً وبدا لك أن تعيده فتذكر أن تعيد ما اشتريت بمالك من خطايا وبما انتعشتْ به روحكَ من آثام. تذكر أن البائعَ يعطيك أياماً والرب يعطيك العمر كله ولكن سرعة إعادةِ واستبدالِ الخطايا دليلٌ على شدة ندمك على شرائها ويضمن لك استردادها.

تأتي ساعةٌ يُغلق فيها الكُل، الناسُ والرب نافذةَ الاسترداد. ننظر إلى ما في أيدينا من متاعٍ وخطايا ونسألُ كما سألَ عليُّ بن الحسين "إِذَا قِيلَ لِلْمُخِفِّينَ جُوزُوا وَ لِلْمُثْقِلِينَ حُطُّوا، أَ مَعَ الْمُخِفِّينَ أَجُوزُ، أَمْ مَعَ الْمُثْقِلِينَ أَحُطُّ". يجيب عنه الرب ويقول لا تشتروا الخطايَا قبل أن تسمعونَ "فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءلُونَ".

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 1
1
طاهرة آل سيف
[ صفوى ]: 2 / 5 / 2018م - 9:54 م
كم كان رائعاً ماقرأت ، تشبيه بليغ حاد في الوصف لما عليه الإنسان من خطيئة وتوبة ثم خطيئة وتوبة ، أسأل الله لي ولكم قبول الإسترداد ، لا عدمنا الفكر والقلم ، دمت بخير .
مستشار أعلى هندسة بترول