لِين الكلمة
هناك من لا تجدي معهم الكلمات العنيفة والقاسية، ولا يمكن أن يُصلح شأنهم منطق التسخيف، أو التسفيه والتوبيخ، بل إن ذلك يزيدهم عناداً ومكابرة وإصراراً على ما هم عليه، فتكون النتيجة سلبية ومضرة، بدلاً من أن تكون إيجابية ونافعة. فالتوسل باللغة العنفية في الكلام والتواصل، والتدني في لغة الحوار والتخاطب، لن يأتي إلا بالمشاكل، ويزيد الأمور سوءاً، ويفاقم من الأوضاع السلبية.
فليس حلاً للخلافات أو المشكلات، التنابذ والتنابز بالألقاب والسباب، أو النيل من الآخر بأسلوب يتسم بالعنف والبعد عن الطريق الموصل إلى الحقيقة، بل من الواجب السعي إلى حل المشكلات بهدوء وأدب واحترام، من خلال عملية حوارية تحليلية مقنعة، تتسم بأسلوب الرفق واللين، وتتضمن مفردات تحمل معاني التقدير والاحترام.
إن الذي يريد كسب الناس إليه، وجذبهم إلى فكرته ووجهة نظره، أو إقناعهم بعدالة قضيته، لن ينال ما يصبو إليه من خلال التوسل بالأساليب العنفية والقاسية في الحوار والتخاطب، لأن هذا الخطاب يحمل في طياته نبرة التحدي لآخر، واستفزازاً لمشاعره، وإهانة له. غير أن أسلوب الرفق واللين في التخاطب يفتح قلوب المتحاورين، ويجذب النفوس إلى بعضها البعض، ويهيئهم لسماع الرأي الآخر عن طيب خاطر، ومن دون تشنج، لتكون الحصيلة التوافق والتعاون من أجل خيرهم، وخير الناس من حولهم.
”لقد تحدَّث الله تعالى في كتابه المجيد عن خُلق النبيّ ﷺ، وكيف كانت أخلاقه مع أصحابه. يقول تعالى: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ﴾. إنَّ الله سبحانه رحم أصحابك كما رحمك، بأن كنت ليّن القلب معهم، فقلبك يخفق وينبض بمحبّة النّاس، وليّن اللّسان، فلا يتحرّك لسانك إلا بالكلمة الطيّبة، وهذا هو الذي حبّب النّاس بك وجذبهم إليك، وجعلهم يقتنعون بدعوتك، لأنَّ كلمتك الطيِّبة الحلوة الليّنة، ولأنَّ قلبك المفتوح عليهم وعلى مصالحهم؛ هو الّذي جعلهم يقتنعون بما تدعوهم إليه“. [1] .
إن الذين يستعملون ويتوسلون رفع وعلو أصواتهم، وتصعيد نبرتها العالية، من أجل إسكات غيرهم، وإجبارهم وإخضاعهم بالقوة على الاقتناع بما يريدون، هم في الحقيقة مخطئون وواهمون، لأنهم بذلك يدللون على عجزهم وافتقادهم للحجج العقلية السديدة الراجحة والقوية في إقناع الآخرين بوجهة نظرهم، أو في كسب ودهم وقلوبهم. فالذي لا يملك قوة المنطق في عرض أفكاره بشكل عقلاني ومنطقي، يتوسل رفع الصوت عالياً، لإرهاب خصومه ومنافسيه بمنطق القوة والتهديد، واستعمال الكلمات الحادة والجارحة والمهينة.
لذلك ”فالذي لا يملك المنطق السليم في التفكير الواعي، يصبح أسيراً لغرائزه الذاتية، ويجد نفسه أمام قوة ضغط عاطفية تجيش في داخله، ولا يستطيع السيطرة عليها بسبب ضعف مقدرة التحكم العقلي لديه. ونتيجة لهذا الضغط الحسي، فإن الطريقة الجسدية هي السبيل الوحيد لإفراغ هذا الضغط. ويتخذ تفريغ هذه الشحنات السلبية عدة أشكال، كالصراخ، وشد الشعر، والضرب باليد، أو الركل بالقدم، إلى الشتم واللعن، وربما الدخول في العراك والمشادة، وقد يصل الأمر إلى القتل أحياناً“. [2]
ويتجلى مما سبق بأن الأشخاص الذين نخاطبهم برفق ولين وود، ونُشعرهم بالتقدير والاحترام، ويشعرون بتقدير أنفسهم، يكونون أكثر قابلية لتلقي وجهات النظر المخالفة برحابة صدر، ومن دون تشنج. فقد ورد عن النبيّ صلى الله علية وآلة قوله: ”إنّ الرّفق لم يوضع على شيءٍ إلا زانه، ولا نزع من شيءٍ إلا شانه“. أما الإصرار على انتهاج اللغة العنيفة والقاسية، والأساليب الجارحة في التعبير والتخاطب والحوار، فسوف تكون لها بدون أدنى شك عواقبها الوخيمة، وآثارها السلبية البالغة الضرر على الفرد والمجتمع، خصوصاً عندما يتطور الأمر ويتصاعد إلى حدود عالية من الحدِّية والتوتر، المصحوب بارتفاع نبرة الأصوات وعلوها، لتكون النتيجة في الأخير الإخلال بالعلاقات الإنسانية والاجتماعية، والسلام الاجتماعي، والمصلحة العامة للمجتمع.