ثقافة العواطف
تشكل العاطفة احد المحركات الاساسية، في اتخاذ المواقف، حيث يتعطل العقل في بعض الأحداث، مما ينعكس على النتيجة النهاية، خصوصا وان تحكيم العقل يرسم النهاية السعيدة، ويحول دون ارتكاب الأخطاء الجسيمة، الامر الذي يفسر التخبطات التي تتسم بها بعض المواقف، سواء على الصعيد الشخصي، او الأحداث المصيرية.
العاطفة جزء أساسي من تكوين البشر، حيث يصعب فصل العاطفة احيانا كثيرة، عن انتهاج مسارات محددة، مستندة للهيجان العاطفي، مما يحفز البعض لاستغلال هذه النقطة، في توجيه الاخرين باتجاه مواقف، بعضها لا تنسجم مع التفكير المنطقي، والبعض الاخر مأخوذة بالتعصب الاسري، او القبلي او غيرها، من انواع التحزب المختلفة، فهناك مواقف عاطفية تهلك أصحابها، وتقود لاهلاك الحرث والنسل، نظرا لاتسامها بمخزون عاطفي كبير.
استغلال العاطفة الاسرية، او القبلية، او العنصرية، من الأدوات المستخدمة على نطاق واسع، حيث تحاول بعض الاطراف الاستفادة من احداث محددة، لاثارة الجانب العاطفي لدى الأقرباء او العشيرة، خصوصا وأنها ليست قادرة على اتخاذ موقف، دون الاستناد للاسرة او العشيرة، وبالتالي فان تحريك العاطفة للحصول على التأييد، يمثل احد الأساليب الأكثر قدرة، على استقطاب اكبر عدد من الأصوات، لاسيما وان المخزون البشري، يمثل العنصر الاساس في بعض القضايا المصيرية، فالحروب على اختلافها يصعب الدخول فيها، دون الحصول على التأييد الكبير من الانصار.
التلاعب بالعواطف الجماهيرية لعبة خطيرة، مما يستدعي استخدام الطريقة الصائبة، في تحريكها بالاتجاه المطلوب، فالخطأ يمثل النهاية غير السعيدة، خصوصا وان اكتشاف المآرب يقود الى نتائج عكسية، مما يعني الفشل في جمع الانصار، وتلاشي التأييد، وبالتالي عدم القدرة على السير في المشروع، بمعنى اخر، فان استخدام اللغة المناسبة، والاستفادة من التوقيت الملائم، عناصر ضرورية للتأثير على الاخرين، واستثارة الجانب العاطفي في المعركة، سواء كانت ذات طابع اسري او قبلي.
السيطرة على الجانب العاطفي، مرتبطة في احيانا كثيرة بدراسة الجوانب النفسية، للطرف الاخر، مما يستدعي الاستفادة من الجهات النفسية المتخصصة، لتحديد نوعية الخطاب واختيار المفردات، وكذلك اُسلوب الحديث مع الاخر، لاسيما وان العقول تختلف بين الافراد، وطريقة التقبل تتفاوت بين البشر، فضلا كون المستوى الثقافي ليس واحدا، بين أفراد المجتمع، مما يفرض استخدام هذه الاختلافات لتحريك الجانب العاطفي، فاللغة الموحدة وتوحيد الخطاب، ليس مطلوبا في اغلب الأوقات، للسيطرة على العاطفة، بمعنى اخر، فان الدراسات النفسية قادرة على تحديد الطرق المناسبة، لاستثارة العاطفة، والحصول على التأييد في نهاية المطاف، اذ يشكل الاعلام بمختلف اشكاله الوسيلة الأثر تأثيرا، في السيطرة على العاطفة، واحداث تنويما مغناطيسيا، لدى شرائح اجتماعية واسعة، فالهدف النهائي يمكن في تعطيل التفكير العقلاني، فيما يتعلق بالتعاطي مع بعض القضايا المصيرية واستخدام التعصب القبلي وسيلة، لخلق العداء تجاه الخصم.
عملية التحكم في العاطفة، مرتبطة بالقدرة على تمحيص، الخيط الابيض من الخيط الأسود، فالمرء الواعي بامكانه التفريق بين المواقف الصحيحة او العاطفية، الامر الذي يدفعه للتوقف مليا قبل اتخاذ القرار، اذ يقوم بدراسة الموضوع من جميع الجوانب، مما يجعله بمنأى عن المواقف الارتجالية، التي تروج لها بعض الاطراف الساعية، لتحريك العاطفة بشعارات مختلفة، وتغييب العقل لغاية في نفسها.