آخر تحديث: 24 / 11 / 2024م - 10:22 م

ثقافة المال

محمد أحمد التاروتي *

تختلف النظرة لطريقة التعامل مع المال من شخص لآخر، وفقا للاهداف التي المرسومة، بمعنى اخر، فان المرء يحدد اليات الصرف، بما يحقق الغايات على اختلافها، فهناك شريحة لا تنظر الى المال وسيلة في الدنيا، لتحقيق رضوان الله تعالي، انطلاقا من قاعدة ﴿الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ? وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا، مما يدفعه لتسخير هذه النعمة باتجاه بما يحقق السعادة، والاستمتاع وفقا للقواعد الشرعية، بينما ينظر البعض الاخر للمال كونه نتيجة جهود، واقتناص للفرص، وثمرة للذكاء الخارق، ﴿قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى? عِلْمٍ عِندِي، مما يحرضه على استعماله بالطريقة الخاطئة والماكرة، الامر الذي يفسر البون الشاسع، بين البعض في التعاطي مع نعمة المال في الحياة.

فالبعض يتحرك وفق قاعدة تسخير المال، لتوسيع رقعة النفوذ الاجتماعي، من خلال رصيد الميزانيات الضخمة، في محاولة شراء الولاءات، او اسكات الأصوات المعارضة، بحيث يتحول من عدو الى صديق، فهذا الصنف من البشر لا يدخر وسيلة مشروعة، او غير مشروعة في تحقيق أهدافه، اذ يتحرك في جميع الاتجاهات لتوسيع قاعدة النفوذ، فالمال بمثابة سلاح يصعب مقاومته، خصوصا وان إغراءات المال احد نقاط الضعف، لدى البشر على مر العصور.

بينما يتحرك البعض الاخر وفق قناعات مختلفة تماما، اذ يسخر المال في سبيل احياء المبادرات الاجتماعية، ذات الأثر الإيجابي، بحيث يترجم على ارض الواقع عبر المسارعة، في تقديم الدعم لانتشال بعض الشرائح الاجتماعية، من حالة العوز الى بحبوحة الحياة، الامر الذي يسهم في تقليص مستوى الفقر في المجتمع، وبالتالي فان التفكير او الثقافة تمثل المحرك الاساس في تحديد مسارات الصرف، والالية المتبعة في التصرف بالموارد المالية.

عملية السيطرة على سلطة المال، ليست سهلة على الاطلاق، خصوصا وان الثراء يحدث في النفس اثر في التعالي على الاخرين، مما ينعكس على شكل تصرفات، وسلوكيات في الحياة اليومية، فالبعض بمجرد امتلاك الاموال تنقلب حياته رأسا على عقب، بحيث يتبرأ من البيئة الاجتماعية القريبة، مما يقود لمحاولة البحث عن بيئة اخرى، تتناسب مع الوضع الاجتماعي الجديد.

الثراء يتحول في بعض الأحيان الى نقمة على البعض، مما يجعله يتخبط في كل الاتجاهات، دون القدرة على تحديد المسار، او التعرف على سبيل النجاة، بحيث يفقد مكانته الاجتماعية السابقة، جراء محاولته بناء عالم جديد، لا يتناسب مع المقومات الشخصية، باستثناء امتلاك الثروة، مما يقود لمحاولة شراء الولاءات، وانتهاج الصرف غير المدروس، فالتاريخ يتحدث عن ثروات ذهبت ادراج الرياح، نتيجة عمليات البذخ الكبير، في سبيل شراء الولاءات الكاذبة.

امتلاك القدرة على توجيه المال بالطريقة السليمة، يشكل طوق النجاة للخروج من نفق غرور الثروة، لاسيما وان غياب القدرة على التمييز بين الصالح والطالح، يظهر على شكل تخبط وضياع، في وضع الامور في النصاب الصحيح.

فالدعوة الى انتهاج الطريق السليم، في التعاطي مع سلطة المال، لا يعني وضع وسيلة وحيدة، للخروج من إغراءات الثراء، فهناك وسائل عديدة ذات اثر اجتماعي، على الصعيد الشخصي في الدنيا، ونيل رضوان الله في الآخرة، فكل ما يَصْب في عمل الخير، ويسهم في استخدام المال في العمل الصالح، يقطع الطريق امام استخدام الثراء في الطريقة الخاطئة.

كاتب صحفي