ثقافة الجمود
التطور وفقا لمعطيات المرحلة الزمنية امر مطلوب، خصوصا وان الجمود والبقاء عند نقطة واحدة، يحمل في طياته العديد من الاثار السلبية، سواء الصعيد الشخصي او الفكري او الاجتماعي، مما يستدعي مواكبة الزمن بما يخدم الفرد والمجتمع، ويحقق الثراء المعرفي، وبالتالي رفد المسيرة البشرية، بالعلوم ذات الأثر الإيجابي، ﴿سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ? ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ ? إِنَّ اللَّهَ عَلَى? كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾.
الجمود مرض عضال، يصيب المجتمعات بمقتل، خصوصا وان انتشاره في جميع المفاصل، يسهم في شل الحركة، ويحول دون القدرة على النهوض، خصوصا وان بث ثقافة محاربة التطور، يقتل الهمم العالية لدى شرائح عديدة، نظرا لغياب المناخات المساعدة على الابتكار والإبداع، بمعنى اخر، فان عملية التطور تتطلب إشاعة اجواء، مساعدة على الوقوف، في وجه الدعوات الداعمة للجمود، نظرا لخطورتها على المسيرة الاجتماعية، وتحول دون القدرة على تفجير الطاقات، باتجاه إيجابي يَصْب في خانة خدمة البشرية جمعاء، لاسيما وان التطور ليس محصورا ضمن حقبة زمنية، او مساحة جغرافية محددة، فالعلم النافع يعم البشرية في مختلف العصور.
بطبيعة الحال، ان الدعوة لمواكبة العصر، لا تعني التخلي عن الثوابت الدينية، والمبادئ الاخلاقية، وإنما العمل جنبا الى جنب مع تلك المرتكزات الدينية، والقيم الاخلاقية، لاسيما وان التطور يهدف للارتقاء بالبشرية نحو الأفضل، والاستفادة من المنجزات على اختلافها، بما يدعم العمارة على الارض، وبالتالي فان محاربة الجمود لا يعني الانسلاخ عن الثوابت، او الاخلاق، بقدر ما تتحرك باتجاه الاستفادة من المساحات الواسعة، لتقديم كل نافع سواء على الصعيد المعرفي او العلمي، بحيث تنعكس بصورة مباشرة على البيئة الاجتماعية.
النظرة الاجتماعية السلبية تجاه التطور، ومحاولة محاربة الجديد على الدوام، تعتبر احد الأسباب وراء سيطرة الجمود، في البيئة الاجتماعية، فالضغوط الاجتماعية تلعب دورا كبيرا في قتل المبادرات، ووأد الكفاءات الساعية لانتشال المجتمع، من مستنقع الجمود، لاسيما وان الحاضنة الاجتماعية، تكون تارة رافعة بالاتجاه الأعلى، وتارة اخرى باتجاه الأسفل، بمعنى اخر، فان إيجاد الثقافة الرافضة للجمود، يدفع نحو اختراق جميع المصاعب المالية، التي تعترض الطريق، مما ينعكس على صورة نهضة شاملة، وسريعة في العديد من المجالات.
مراوحة المكان، والاصرار على الوقوف، عند نقطة واحدة، يسهم اتساع الفجوة بين مجتمع واخر، الامر الذي يفسر الانطلاقة السريعة لدى بعض الامم، وتسمر بعض الشعوب، عند مستويات معينة منذ عقود طويلة، فهناك مجتمعات تبهر العالم، بشكل يومي بقدرتها، على تقديم كل جديد، مما يجعلها سابقة للأمم الاخرى بمسافات طويلة، فيما توجد امّم تسير باتجاه الخلف، او مستقرة في مكانها، دون حراك دون عقود طويلة، الامر الذي يتطلب اعادة صيغة التركيبة الثقافية، للمجتمعات المتخلفة، بحيث يدفعها لمحاولة ركوب قطار التقدم، وانقاذها نفسها من مصير البقاء، في مؤخرة الركب، خصوصا وان قطار التطور يسير بسرعة فائقة، مما يستدعي اختيار الوقت المناسب، لحجز مقعد في احدى قاطرات القطار.