الإمام الحسين وموعد مع الحرية
في مفرق تاريخي خطير يحدد مسار واتجاه الأمة نحو مسيرة القيم والمكارم الأخلاقية، أو الانحراف باتجاه الجاهلية ومعالمها السيئة، بمقارفة الرذائل وانتشارالموبقات؛ لتفقد الإنسانية هويتها وكرامتها وحريتها وشرف الفكر الواعي والاستقامة السلوكية والترفع عما يشينها من معايب، قيض الله تعالى من ينتشل الأمة من تخدير فكرها وشل قدراتها وإضعاف إرادتها، وذلك بقبول فرض الأمر الواقع الجديد من استعباد للناس واستبداد بمقدراتهم المالية وتبديدها على نزوات الفاسدين، إنها ثلة مؤمنة اجتمعت من حول سبط رسول الله ﷺ ممن أبوا الخنوع ومنطق الإذلال وعيشة العبيد، فصدحوا بالحق وأنكروا الباطل وطالبوا بتحكيم شريعة النبي محمد ﷺ، وعدم قبول أي مظهر انحرافي تثبت قواعده تلك السلطة، وهؤلاء العظماء بحق تحلوا بكل ما لكلمة قوة الجنان والحنكة والشجاعة من معنى، فآثروا حياة العزة والكرامة وحفظ الحقوق وإلا فإن الشهادة دفاعا عن قمة الإنسان وحريته أعز وأكرم.
ويؤمهم ويقود مسيرتهم السبط الشهيد والذي تجلت منه التضحية بكل شيء في سبيل الله تعالى وطلبا لرفعة دينه الحنيف وقيمه العالية، هو عنوان وهوية الإنسانية الرفيعة التي تحتكم إلى ما يرفع شأنها وهو الفكر والرقي القيمي، وأما منطق الغلبة للقوة والبطش وسحق الضعيف فهو منطق أليق الغاب والبهائم، ولا يمكن للحر الذي يرغب في حياة كريمة لا تسحق فيها مكانته ولا تمتهن حقوقه أن يقبل بسلطة جور وظلم لا تحترم الإنسان، فكانت نهضة الإمام الحسين صوت العدالة ومنطق الحرية والكرامة.
أراد الله عز وجل أن تبقى البشرية مع صوت وراية تمثل امتدادا لمسيرة الهداية والإصلاح التي لا يمكن أن تنكس أبدا، رجال عاهدوا الله تعالى أن لا تنكسر إرادتهم مهما بلغت قوة عدوهم وعظمت التحديات في وجههم، فإنهم يجردون لها عزيمة لا تلين وتضحية وبسالة يحار منها الظلمة والفاسدون، فلا يقبلون سلطة البطش والانحلال الخلقي، ويقفون سدا منيعا أمام بسط نفوذها وتسلطها على الناس، فهل يقبل سليل النبوة أن تمحى تعاليم دين جده والقيم التي جاهد من أجل إرسائها، وتثبت معالم دين جديد هو الجاهلية وحكم الأهواء وسحق الإنسان واستعباده، ونشر الموبقات والمحرمات بلا استحياء؟
صوت العدالة والكرامة الإنسانية قاد - في الحقيقة - حركة تغييرية وتصحيحية لتلك الحالة السيئة والمزرية لأمة القيم، فأعاد لها مجدها وأضحت نهضته مهوى أفئدة الأحرار عبر الأجيال المتلاحقة، تتنفس من عبقها عطر العزة والعدل والشجاعة والممانعة لراية الباطل والإفساد، فشعلة الحرية لن تنطفئ يوما ما دام هناك من فهم الأهداف الحسينية وتشربها في فكره وسلوكه، نفوس عشقت الكرامة ولا تقبل عنها بدلا، ولا تنكس الرأس للظلم مهما بلغت التضحيات.