القمة العربية والحق الفلسطيني
انتهت أعمال القمة العربية التاسعة والعشرين التي أقيمت بمركز الملك عبدالعزيز «إثراء» في مدينة الظهران برئاسة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود - حفظه الله - كي تؤكد في بيانها الختامي على الثوابت الراسخة للموقف العربي من القضية الفلسطينية، وتعطي مؤشرًا على أنها القضية الأولى للعرب مهما تباعدت المواقف السياسية بين دوله في هذا الشأن أو ذاك، ومهما كانت أوضاعه متردية بحيث تحول دون اتفاق على أي قضية معينة ولو كانت صغيرة، ناهيك عن قضية معقدة كالقضية الفلسطينية. لكن مؤشر البوصلة عاد إلى وضعه الطبيعي، بفضل الجهود الكبيرة التي قادتها المملكة وما زالت في ترسيخ هذا الحق منذ مبادرة بيروت للسلام التي أطلقها الملك عبدالله بن عبدالعزيز - رحمه الله - يوم كان وليا للعهد في مؤتمر قمة جامعة الدول العربية التي عقدت في بيروت في مارس 2002، وقد حظيت هذه المبادرة بإجماع عربي خلال القمة، وبفضل الدعم المستمر للشعب الفلسطيني اقتصاديًا وإعلاميًا واجتماعيًا ليس على مستوى الدولة فقط وإنما على مستوى جميع فئات المجتمع السعودي التي لا تنظر إلى ذلك بوصفه منة أو تفضلًا، ولكن باعتباره حقًا أصيلًا من حقوق العرب لا يمكن التفريط فيه مهما كانت الضغوط.
وقد كانت كلمة خادم الحرمين الشريفين في افتتاحية القمة أكبر معبر عما نقول، كذلك إطلاق تسمية القدس على القمة والتبرع للأوقاف الإسلامية في القدس ب «150» مليون دولار و«50» مليونًا لمنظمة الأونروا التي تعنى بشأن اللاجئين الفلسطينيين وتدعمهم، وأيضا رفع الدعم الشهري للسلطة الفلسطينية من «7» ملايين ونصف إلى «20» مليونًا، وتقديم «70» مليونًا تنفيذًا لقرار قمة عمان لدعم صناديق القدس والمسجد الأقصى، جميعها معبرة بما لا يدع مجالًا للشك عن رسوخ الموقف السعودي من القضية الفلسطينية. لكن ما الذي يدعونا إلى تأكيد هذا الموقف رغم وضوحه البارز؟ هو أولًا وأخيرًا التدخلات الإيرانية في شؤون الدول العربية التي لم تجلب سوى الدمار والخراب على المنطقة.
وحينما يؤكد البيان الختامي في أكثر من فقرة على خطورة التدخلات الإيرانية في الشأن العربي ودعمها للحوثيين وللميليشيات التابعة لها، والنتائج الكارثية على العرب من جراء مثل هذا التدخل، لهو موقف صريح لا مهادنة فيه ضد كل ما يمس أمن واستقرار المملكة؛ لأن الأمر هنا لا يتعلق بموقف سياسي تفرضه السعودية بقوتها المالية كما يدعي البعض أو ما تروجه الأبواق الإعلامية المعادية للوطن. لكن الأمر يتعلق أولًا وأخيرًا بالثقل السياسي والاقتصادي والمكانة الدينية التي تحظى بها المملكة في العالم، مما يجعل أمنها واستقرارها وثيق الصلة باستقرار وأمن المنطقة ومن ثم العالم بأسره. هذه عوامل فرضها التاريخ ورسختها الجغرافيا ولا منة لأحد على المملكة في ذلك لا سيما وأن فورة الإصلاح الاجتماعي والسياسي والاقتصادي التي يقودها ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان تحت مظلة رؤية 2030 لا يمكن أن تجري بهذه السرعة في أي بلد آخر إذا لم تتوفر لها مثل تلك العوامل، وهذا سر عظمة السعودية.