آخر تحديث: 24 / 11 / 2024م - 10:22 م

رؤى المنام

حين تُختزلُ الزوايا في المنام وتَطيرُ أحلامي مثل النوارسِ والحمام، أخبو وراءَ الشعرِ حيناً وحيناً في الكلام. لو كنتُ عرنيناً ذاب في يَدِيَ الحسام، لكنني سيفٌ تَكَسَّرَ، ما بَقى منه سوى نصلُ الكلام.

تتوجعُ الأفكار في رأسِ الكاتبِ وتموت وهي صدى جبنه وخوفه من خروجها إلى الخارج. تتحول الكلماتُ والأفكار إلى جنودٍ ضعفاء لا يصمدوا عند أول التحامٍ سياسي أو حربي وهي سلاح الضعفاء. لكن هذا السلاح يكون الأشد ضراوةً عندما يكون صنواً للسيف.

القلم يسبقُ صهيلَ الخيلِ وحدة السيف وهو أس المعركة الأقل كلفةً في دحر الخصم. الكاتبُ والشاعر أكثر قوةً في تحضيرِ وتسعيرِ المعركة والانتصار. لا يحتاج القلم سوى ورقةً يخط عليها ويرميها في الهواءِ وتصل إلى الخصم ويقرأ فيها ”انت مهزوم“ ومن كان فيه خَوَرٌ ينهزم.

أصبح القلمُ والورق والمثقف والكاتب من المجاز. لا تحتاج المتنبي أو جريرَ أو الأخطل ولكن من في يده أصابعٌ قطع كُلَّ المراحل وصار مفكراً. ليس مهماً من قال ومن كتب ولكن ما قيل وما كُتِب.

أضاف الكاتب إلى ترسانته الصورةَ التي تثبت الكلمةَ وتدعم الميدان. لم يعتمد الإنسانُ المنطق في خصومته يوماً ما فذاك العاقل الحذق الفطن يقول لكل الصفاتِ تنحي وهاتِ الأضداد وحَيَّ على السلاح. لا بأس بدفع الغرائز نحو الهاوية وربما تكون الكلمة دون مقابلٍ حين تدفعها الغريزةُ والشهوةُ إلى الخارج.

لكل قتالٍ رجالٌ وسلاح ولن ينتصر جيشٌ دون أيٍّ منهما وإن انتصرت قيم المحاربين. وفي السلاحِ كل له ثمن وأرخصها الكلمة التي لا تستطيع قذيفةٌ أن تُسكتها ولا تحتاج سوى شبحٍ وراء لوح. أحرفٌ قليلةٌ وقرطاس وقلم مزيف تجلب نتائجَ أكثر مما يأتي به السيفُ والرمح. ليس لزاماً أن تقرأ التاريخَ وتعرف ألمَ الكلمة والصورة وكم حصدت من نياشين النصر أو منعت انتصار العدو، بل اليوم تُشرف الكلمةُ والصورةُ على المعركة من أعالي التل وتصيبانِ بدقة أكثر من أي سلاحٍ آخر.

تدعوا الفِكَرُ نفسها إلى بيت من يكتبها وقت ما شاءت وأعذبها وأكذبها يأتي بعد منتصفِ الليل. يتثاءب الكاتبُ في الصباح، يفرك عينيه ويقول أين أنتِ؟ لمَ غازلتني ليلةَ أمسٍ وهربتي في الفجر. كلماتٌ وأفكارٌ خجولةٌ في الليل ولكنها شديدة الفتك. تلبس مُسُوحَ الرأفة والرحمة وتقتل الملايين.

إن غازلتك قنينةُ أفكارٍ الليلة قل لها أنا ضفدعٌ وقد قالت الضفدعُ قولاً فسرتهُ الحكماءُ في فمي ماءٌ وهل ينطق من في فيه ماءُ؟ لم يعد شعر أبي تمام تاماً "السَّيْفُ أَصْدَقُ إِنْبَاءً مِنَ الكُتُبِ في حدهِ الحدُّ بينَ الجدِّ واللَّعبِ" دون القلم والدعاية التي غلبت فيها سودُ الصحائف بيضَ الصفائح إلا من انتصار القيم والمبادئ.

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 1
1
طاهرة آل سيف
[ صفوى ]: 20 / 4 / 2018م - 12:37 ص
اللسان ترجمان العقل كما يقول أمير المؤمنين ، وأنا أرى الكلمة تترجم الفكرة وبها يتأثر وجدان المرء وعقله ، قد تفعل به الكلمة مالا يفعله حدُّ سكِّين ، وتشفي منه ما لا يفعله السحر .
وعلى سبيل السيف والقلم أمنياتي أن يجد قلمك ميادين الكتب ويسطر الأحرف والكلمات ويفعل فعله ، كل التوفيق لكم من أجمل ماقرأت .
مستشار أعلى هندسة بترول