آخر تحديث: 24 / 11 / 2024م - 10:22 م

ثقافة الخيانة

محمد أحمد التاروتي *

الغدر والخيانة من الاخلاق السيئة، التي تحط من قدر صاحبها، مما يجعله محل احتقار، من لدن القريب قبل البعيد، لاسيما وان عدم الوفاء ونكران الجميل، يخلق حالة من التفكك الاجتماعي، الامر الذي يولد حالة من انعدام الثقة، وسيطرة الريبة والحذر، تجاه الكثير من الممارسات الحياتية، وبالتالي فان غياب الاطر الاخلاقية الفاضلة، يدفع باتجاه تغليب المصالح الشخصية، على الالتزام بالقيم الانسانية الفاضلة، بمعنى اخر، فان انتشار الطعن بالظهر في المجتمع، يحدث تصدعا كبيرا في جدار القيم الاخلاقية، بحيث يسهم في تنامي الكثير من الظواهر الاجتماعية السلبية.

ثقافة الغدر مرتبطة في بعض الأحيان، من الشعور السلبي تجاه المجتمع، نتيجة تجارب صعبة، عاشتها بعض الشرائح الاجتماعية، مما يدفعها لاتخاذ قرارات صادمة، بغرض الانتقام ومقابلة الجميل بالنكران، فالظروف الصعبة التي كابدت بعض الفئات الاجتماعية، وادارة الظهر لها من قبل الشريحة الواسعة من المجتمع، تنعكس على صورة نظرة متشائمة، تجاه كل ما يمت للمجتمع بصلة، الامر الذي يدفع باتجاه انتهاج الطريقة الخاطئة، والساعية للتخريب، وإشاعة الفوضى، عبر الكثير من الاعمال، بالاضافة لمحاولة الاستفادة من المناخ الاجتماعي، لابتكار مختلف انواع المكر والخيانة.

ان المبررات التي يسوقها البعض، لاستخدام الخيانة في التعاطي مع الاخرين، ليست مقبولة على الاطلاق، فالتخلي عن القيم الاخلاقية، يسهم في سيطرة قانون الغاب، مما يشكل انعطافة خطيرة تظهر تداعياتها، على مجموع السلوكيات اليومية، وبالتالي فان الانتقام يجر معه ردود افعال معاكسة، واحيانا اكثر عنفا، لاسيما وان النفوذ الاجتماعي يختلف من شريحة لأخرى، بحيث تعمد كل فئة لاستخدام نفوذها، في سبيل توجيه الضربة الموجعة تجاه الخصم، الامر الذي ينذر بخطر جسيم على التركيبة الاجتماعية.

الخيانة سلوك مرتبط احيانا، بالاطماع الشخصية سواء المادية او المعنوية، فالساعي نحو المآرب الذاتية، لا يتورع عن خلع ثوب الاخلاق، في سبيل الوصول لتلك المصالح، اذ يحاول ارتداء مختلف انواع الثياب، تبعا لنوعية الاهداف المرسومة، فمرة يكون واعظا، وتارة مصلحا، واخرى مثابرا، وغيرها من الأدوار الاجتماعية المتعددة، اذ يهدف من وراء الظهور بتلك الأدوار المختلفة، اختراق بعض الشرائح، بغرض توجيه الطعنة من الخلف، خصوصا وان المواجهة المباشرة ليست في القاموس، فضلا عن كونها ليست مضمونة النتائج، مما يستدعي انتهاج سياسة الخداع، والخيانة كطريقة سهلة لتحقيق الاهداف الشخصية.

سيطرة الخيانة، تكشف المستوى الاخلاقي في البيئة الاجتماعية، فالمجتمع القائم على النبل، والقيم الفاضلة، يحارب مثل هذه السلوكيات، باعتبارها احد معاول الهدم، وسبيل لنخر جدار المجتمع من الداخل، مما يستدعي وضع خطوط حمراء، امام الفئات الداعية لانتهاج، مثل هذه الممارسات غير الاخلاقية، بمعنى اخر، فان المجتمع الساعي لتوحيد الصف، يتحرك وفق نظم اخلاقية وقيم نبيلة، بحيث يرفض الانحدار خلف الدعوات الداعية المنادية، للتخلي عن الاخلاق، لاسيما وان انفراط عقد القيم يصيب جميع الشرائح الاجتماعية، ولا تنحصر أضراره على شريحة دون اخرى، مما يتطلب وضع الامور في النصاب الصحيح، لمنع انفراط عقد المجتمع، وسيطرة الاخلاقيات السيئة، على حساب القيم الفاضلة.

كاتب صحفي