آخر تحديث: 24 / 11 / 2024م - 10:22 م

الإمام الحسين والميكافيلية

حسين نوح المشامع

قال الله تعالى في كتابه الذي لا يغادر كبيرة ولا صغيرة إلا أحصاها: ﴿وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ «103» يوسف.

وقال الإمام الحسين : «النَّاسَ عَبِيدُ الدُّنْيَا، وَالدِّينُ لَعْقٌ عَلَى أَلْسِنَتِهِمْ‏ يَحُوطُونَهُ مَا دَرَّتْ مَعَايِشُهُمْ فَإِذَا مُحِّصُوابِالْبَلَاءِ قَلَّ الدَّيَّانُونَ» *

بداية من الممكن اعتبار هذه الحلقة امتداد للحلقة التي سبقتها، لانعقادها بصحبة فريق مشاة مدينتنا، ولكننا لم نكن مشاة في هذه الحلقة على احد شواطئنا البحرية، ولكن قعودا في احد الاستراحات المحلية وسط المزارع والحقول.

بدأ حوار الحلقة بعد انتهاء المجموعة من نقاشاتها المتعلقة برياضة المشي، وبعد اخذ الكثير من الصور

الجماعية والتذكارية تخليدا للمناسبة، وبعد انفضاض الجمع وتوجه كل شخص لما يعنيه

شخصيا دون الآخرين.

التفت نحوي احد الحضور متسائلا: أنني من المتابعين لما تكتب على الشبكة العنكبوتية خصوصا البحوث الأخيرة عن الإمام الحسين والتي أبهرتني حقا، حيث أن طريقة الطرح جديدة فعلا، والمواضيع متغيره ومختلفة في كل مرة، وهذا ما شدني إليها.

قاطعنا احد المسئولين طالبا من المجموعة المهتمة بالموضوع عمل حلقة في احد زاويا المجلس لتسهل عملية النقاش والأخذ والرد، ولإعطاء الآخرين حرية التنقل والحركة.

واصلت كلامي قائلا: أشكركم على الإطراء أولا، وثانيا أن ما يطرح من مواضيع على الشبكة العنكبوتية هو إجابة على تساؤلات تدور في خلدي أنا قبل الآخرين، وما اكتبه هو نتيجة للبحث والتنقيب في

الكتب والمراجع، ليس إلا.

فسأل احد الحضور قائلا: ما هو جديد هذه الحلقة؟!

الجديد في هذه الحلقة هو علاقة الفكر الميكافيلي بالثورة الحسينية.

أولا بين لنا من هو ميكافيلي هذا؟

هو نيقولا ميكافيلّي الذي عاش بين سنتي «1467 - 1527م» والمولود في مدينة فلورنسا الإيطاليّة، وقد عمل دبلوماسيا لبلاده في عدّة بلدان أوربيّة، ويعتبر مفكّرا سياسيا ذو عقليّة فذّة. *

ها نحن قد عرفنا إجمالاً من هو ميكافيلي، فما العمل الذي قام به؟!

ميكافيلي اصدر كتابا اسماه الأمير، وهو خلاصة حيّة لتجاربه السياسيّة، وقد ألّفه ليهديه للأمير لورنزو

الثاني؛ تزلّفاً فيما قيل. *

وكيف قرأ ميكافيلي التاريخ السياسي؟!

قرأ السيد نيقولا التاريخ السياسي لأنظمة الحكم أو للسياسيين كما كانت أو كما كانوا، لا كما ينبغي أن تكون أو يكونوا.

إذا كانت قرأته للتاريخ بهذه الكيفية، فهؤلاء الذين درسهم السيد نيقولا كان همهم الوحيد الوصول إلى

السلطة والحفاظ على كرسيّ الحكم مهما كلف ذلك من تضحيات إنسانية باهظة، طحنت فيها الإنسانية وديست فيها كرامتها.

وما هو رأي المفكرين في الفكر الميكافيلي؟!

اتهمه أكثر المفكرين بالانتهازية لتبريره وإعطاءه الصلاحية لصاحب القوة والسلطة ي استعمال كافة السبل

المتاحة أو الغير متاحة للوصول إلى مراده.

وما هي المآخذ على ميكافيلي؟!

المأخوذ عليه هو جعله الدول والإمبراطوريات المتعاقبة على الحكم طوال التاريخ هي أساس التاريخ، مع أن

هذه الدول والإمبراطوريات كانت نهايتها الموت والفناء.

ولماذا انتهى بها المطاف إلى الموت والفناء؟!

انتهى بها المطاف إلى الموت والفناء لأنه لم يكن في حساباتها حفظ كرامة الإنسان، بل استغلاله وطحنه إلى

حد الفناء.

إذا هو فكر انتهازي بما تحمله الكلمة من معنى!

هذا صحيح، لكن ليس في كلّ كتاب ميكافيلّي ما يسوّغ للأمير إذا ما انتصر في حرب ما أن يستعبد الخاسرين

عبوديّة حقيقيّة حتّى لو كانوا أحراراً.

الآن دعنا نذهب إلى الثورة الحسينية، لتبين لنا علاقتها بالميكافيلية؟!

واقعا ليس هناك علاقة مباشرة بين الميكافيلية والثورة الحسينية، لان الثورة الحسينية قامت حوالي

سنة «680» ميلادية، ومؤسس النظرية الميكافيلية ولد سنة «1467» ميلادية.

إذا عن أي علاقة تتكلم؟! إذا لم يكن هناك ارتباط بين الحدثين؟!

وليس هذا فقط، بل الميكافيلية لا تمثل فكر الإمام الحسين بأي وجه من الوجوه، ولم ولن يتبع الإمام

الحسين هذا الفكر في حياته ما عاش، ولم ولن يوصي به عند استشهاده، لأنه من الذين اذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا.

إذا كان هذا الفكر لا يمثل الإمام الحسين ، فقطعا هناك من كان يتبع هذا المنهج والذي أدى في نهاية الأمر إلى قيام ثورة الإمام الحسين ؟!

كما يبينه المحققون أن من كان يمثله في ذلك الوقت هم الأمويون الذين كانوا على رأس الدولة الإسلامية

حينها. والمسلمون الذين رضوا وخضعوا لهكذا سلطة رغم علمهم بنتنها وعفونتها، وذلك وصولا لمصالحهم ورغباتهم الشخصية، وكذا من كان يبرر لهم ويقنن لهم شرعا ما يقومون به من أعمال قبيحة.

وكيف كانت الدولة والحكم بالنسبة للأمويين؟

كان قيام الدولة والوصول إلى الحكم هدفا وغاية نهائية تذهب لأجلها الأرواح والمهج، كما قال هارون العباسي لابنه المأمون وهو يحدثه عن أحقية أهل البيت العصمة في الحكم: «لو نازعتني أنت فيه - أي الحكم - لأخذت الذي فيه عيناك».

وهل التزم الأمويون بالمبادئ الميكافيلية حرفيا؟!

لم يكتفي الأمويون بالمبادئ الميكافيلية بل زادوا عليها.

وكيف ذلك؟!

فقد سنّوا قانونا على شعب الرسول الأنصار ليكونوا عبيداً حقيقيّين لهم.

أهذا فقط أم هناك غيره؟!

بل أرادوا أن يجعلوا من بنات النبي ﷺ بعد كربلاء غنيمةً وسبايا، يتلاعّبون بهنّ كما يتلاعّبون

بالجواري والرقيق.

وكيف كان موقف عموم المسلمين من هذا؟!

عموم المسلمون كانوا يرجّحون إمامة يزيد، مع أنّه بنظرهم فاسق فاجر، على إمامة الحسين الذي هو

باعتقادهم بقيّة الرسالة وثمرة النبوّة. وأنهم لم يفيقوا من غفوتهم إلا بعد

استشهاد الإمام الحسين ؟!

وهل وصل حال المسلمون في هذا العهد إلى أكثر من ذلك؟!

ففي هذا العهد ظهر مفهوم أنّ الحاكم يطاع حتّى لو كان طاغوتاً فاسقاً فاجراً مجرماً خبيثاً.

ومن هذا أتيح لبني أمية القيام بما قاموا من استهتار بالمبادئ والقيم الإسلامية والإنسانية.

كيف كان قيام الدولة والوصول إلى الحكم بالنسبة للإمام الحسين ؟!

لم يكن إقامة الدولة والوصول إلى سدة الحكم بالنسبة للإمام الحسين إلا كما كان جده من قبله وسيلة

لترسيخ الدين وحفظه.

وهل أضاف ما قام به الأمويون من أعمال شائنة شيء لما قدمه الإمام الحسين من تضحيات استفاد منها

لثورته؟!

يوضح هذا ما قام به الصحابي عبدالله بن عمرو بن العاص، الذي لم ينصر الحسين ، ولم يؤّيد كربلاء،

ولقد كان في مرحلة السلوك من خصوم الحسين ، مؤيّداً في كلّ سلوكه الاختياري لطغيان الأمويين، لكن كلّ هذا لم يمنع عقيدته أن تكون صحيحة وفي صفّ الحسين ؛ فهو بعد مقتل الحسين ، كان يتذكّره فيبكي عليه بكاءً مرّاً، حتّى أنّ دموعه كانت تتقاطر من لحيته الكثّة، اعترافاً منه بعظيم فضل الحسين في الدين، وبعظيم جرم الأمويين في حقّ ابن بنت النبي. *

إذا استشهاد الإمام الحسين في كربلاء أوقظ الأمة الإسلامية من سباتها الطويل وأعاد إليها وعيها

ورشدها، بعد أن كانت تقتدي بالأفكار الميكافيلية في حياتها اليومية.

صدقت، هو ذاك بالتحديد ما حدث، وما زالت بوصلة الإمام الحسين تعمل على إعادة الحياة في روح الأمة الإسلامية كلما مالت عن الطريق، أو انهارت معنوياتها.

عندها ذكرنا احد الأخوة الحضور بوقت انصرافنا والعودة إلى بيوتنا.

* ديمو تاريخ الرسول محمد ﷺ وديمو تاريخ الحسين