ثقافة الواقع
يبني البعض عالما خياليا، عبر السباحة في فضاء الأحلام الوردية، حيث يتحرك وفقا لتلك التخيلات، المنطلقة من تمنيات، لا تمت للواقع بصلة، اذ يحاول رسم احداث، واستنتاج وقائع، استنادا للعالم الافتراضي، مما يدفعه لاتخاذ مواقف صادمة، واحيانا مستغربة، الامر الذي يضعه في دائرة الاتهام، والسخرية، واحيانا التهميش من المحيط الاجتماعي، نظرا لطريقة التعاطي غير المنسجمة، مع تموجات الأحداث الحقيقية، وبالتالي فانه يضع نفسه في موقف لا يحسد عليه.
الانطلاق في عالم الأحلام، ورسم مملكة من التخيلات غير الواقعة، تعتبر من الممارسات، التي تعصف بالكثير من البشر، خصوصا وان البعض يسعى للهروب من الواقع البائس، والمر الى عالم اعلام اليقظة، وإطلاق العنان للخيال لرسم صورة، مغايرة للواقع الحقيقي، بيد ان الاستمرار والانعزال عن الواقع، والعيش في دائرة مغلقة، عملية مستهجنة، وغير محمودة على الاطلاق، فالانسان مطالب بمواجهة الواقع، وعدم التهرب من الحقائق المعيشية، ”إذا خفت شيئا فقع فيه، فان شدة توقيك منه اعظم من الوقوع فيه“، وبالتالي فان الهروب الدائم يسهم في تعظيم الامر، عوضا من القضاء عليه، لذا فان حياة الانعزالية ليست مطلوب، ولا تدخل في المثل الشائع ”الباب التي يجي من الريح سده واستريح“، كما انها ليست مصداقا ”كن في الفتنة كابن اللبون لا ضرع فيحلب ولا ظهر فيركب“.
التسلّح بالقدرة على مواجهة الواقع، والوقوف بكل صلابة، في وجه العواصف الحياتية، يسهم في صلابة العود، والقدرة على التغلب على الصعاب على اختلافها، ”إِنَّ الشَّجَرَةَ الْبَرِّيَّةَ أَصْلَبُ عُوداً“، وبالتالي فان محاولة التواري خلف الأحلام، وبناء عالم خاص، لا يورث سوى الخيبة، والخسران والضياع، لاسيما وان القدرة على ملامسة الواقع بارادة ثابتة، تعطي نتائج على بناء الشخصية، وكسب الاحترام من الاخر، خصوصا وان الشجاعة محترمة من العدو قبل الصديق، فيما الجبن يفقد صاحبه الاحترام، من المحيط القريب قبل البعيد، مما يستدعي الاختيار الصائب، لمعالجة المشاكل الحياتية، نظرا لما يمثله الاختيار، من اثار على الصعيد الشخصي، والاجتماعي.
التعامل مع الواقع بمسؤولية، لا يعني تحميل المرء من اكثر من طاقته، وقدرته على المواجهة، ”لا يكلف نفسا الا وسعها“، فالانسان بامكانه تشخيص بعض المواقف، مما يمنحه الفرصة، لايجاد الحلول المناسبة وفقا للظروف، ومدى الاستعداد للوقوف بوجهها، فضلا عن القراءة الدقيقة، للمناخ الاجتماعي السائد، ﴿بل الإنسان على نفسه بصيرة ولو ألقى معاذيره﴾، وبالتالي فان الرضوخ للضغوط الاجتماعية، لمعالجة بعض القضايا الشائكة، بمثابة إلقاء النفس في التهلكة، والسير باتجاه الانتحار الاجتماعي، مما يستدعي وضع الامور في النصاب، والسعي الجاد لقراءة الواقع، بشكل دقيق، بغض النظر عن ضغوط المحيط الاجتماعي، خصوصا وان الاستجابة السريعة دون وضع مختلف الاحتمالات، يخلق مشاكل على الصعيد الشخصي،
ان معايشة الواقع، والابتعاد عن الخيال، واحلام اليقظة ليس معناها الاقتحام، غير المدروس، نظرا للآثار المترتبة السلبية، على الدخول في الواقع، دون معرفة سابقة بخفايا الامور.