آخر تحديث: 21 / 11 / 2024م - 10:22 م

الكلام كأداة تواصل أم قطيعة؟

ابراهيم الزاكي

الكلمة القاسية والعنيفة في التخاطب والحديث لها بالغ الأثر السيء والشديد في نفس الإنسان المتوجهة ضده، كما أشرنا إلى ذلك في المقالة السابقة، فهي تجرح كرامته وكبريائه وإنسانيته، فتترك في نفسه ضرراً وجرحاً معنوياً غائراً، قد يصعب اندماله، وهو الأمر الذي يؤدي بكل تأكيد إلى التنافر والتباغض والتباعد والقطيعة.

وعلى هذا الأساس فإن الكلام يُعد من أدوات التواصل والاتصال بين الناس، واللغة التي من خلالها يُعبَّر ويُفصَح بها عمَّا يجيش في الصدر من مشاعر وأحاسيس. فاللغة تعبر وتفصح عن قيمة ومستوى المتكلم، وما تمثله شخصيته من صفات خيِّرة وحسنة، وطيِّبة في النفس، أو ما تحمله من صفات سيئة وشريرة ومبتذله. ومن الطبيعي والحال هذه، أن ما يقوله المتكلم سيكون له أثره ووقعه الحسن، أو السيء، على المستمع والمتلقي.

لقد «كانت الكلمة سلاحاً ذا حدَّين في تاريخ هذا العالم، فإما تصيب صاحبها في مقتل، إن أفلتت على غير ما يجب، وترد له في نحره طعنة لم يتوقعها، وإما ترفع كلمة طيبة من شأنه، وتضعه فوق قمة لم يحلم بالارتقاء إليها. وفي هذا الزمن، ومع انفتاح سبل التواصل، واتساع وسائل الكلام وتعددها، صار على المرء الحذر أكثر مما ينتجه القلب وما يجود به اللسان، وأصبح ما يقع عليه من حذر أكبر وأهم أعباء الحياة، وعلى رأسها ضرورة تشذيب اللسان وحفظه، والحفاظ عليه من التلوث». [1] 

إن مسارات ووجهة كثير من الأمور في هذه الحياة تحددها لغة الإنسان وكلامه. فالكلام الطيب والخير والمهذب، مهما قلَّ أو صغر، هو شفاء للروح، ودواء للنفس العليلة، والقلوب المتعبة. وعندما يخرج من لسان شخص دمث الخلق، يراعي مشاعر الآخرين ويحترمها، يجد في الطرف المقابل من يسمعه، ويتقبل منه، ويصغي له بمحبة، خصوصاً عندما يريد توجيه النصح، أو اللوم، أو العتاب.

أما ذاك الذي يقسو في الكلام، ويختار ألفاظاً فظَّه وجارحة، فإنه لا يجني إلا الضغائن والأحقاد في النفوس، تنتفي بسببها الأجواء والمناخات المناسبة لخلق حوارات إيجابية ومفيدة، تنتج تفاهمات مشتركه، من أجل مصلحة الأفراد، أو الجماعات، أو المجتمع، فضلاً عن فائدته في انتظام مسيرة النظام الاجتماعي العام.

إلا أن الحقيقة على صعيد الواقع هي أن هناك من يقسو في لغة كلامه، ويستخدم ألفاظاً وعبارات فظَة في حديثه، ويتّبع أساليب فجَّة في حواراته، مما يتسبب في توتير أجواء النقاش، ويؤدي إلى فشل العملية الحوارية مند بدايتها. فعندما يأخذ الحوار مساراً متشنجاً وانفعالياً، ويبتعد عن الموضوعية، فإنه بالتأكيد سينتهي إلى الفشل. فحين يتجه الحديث إلى تجريح صاحب الرأي وإهانته، والتقليل من قيمته وتبخيس شأنه، أو تسطيح فهمه، من دون تناول الرأي نفسه، ومناقشة الفكرة ذاتها، فإن الحوار يكون ابتعد عن الموضوعية واتجه صوب الشخصنة.

لكن إذا ما استخدم المتحاورون عبارات ومفردات إيجابية توحي بالاحترام لبعضهم البعض، حتى وهم يطرحون آراءً مختلفة ومغايرة، أو مخالفة للسائد، أو متناقضة، أو تحمل نقداً لما يمكن اعتبارهم أيقونات مقدسة لا يجوز الاقتراب منها، فإن ردة فعل الطرف الآخر ستكون أكثر تفهماً وقبولاً للرأي المختلف، أو المخالف. لأن مثل هكذا عبارات لها وقعها الحسن على أجواء الحوار، ولن تؤدي إلى توتيره، أو تتسبب في تنافر القلوب بين المتحاورين، أو تؤدي إلى ذهاب الود فيما بينهم، بل ربما يتطور معها الحوار بشكل سلس وموضوعي، ويؤدي إلى نتيجة إيجابية، مثمرة ومؤثرة.

[1]  أهمية الكلمة. باسمة يونس. جريدة الخليج الإماراتية.