آخر تحديث: 24 / 11 / 2024م - 10:22 م

موجزُ الأنباء

منذ أن قدم أبناءُ آدم إلى الأرضِ أخذوا يصطرعونَ فيما بينهم. تطورت أسبابُ الحروبِ التى اختص فيها الرجالُ بالحظ الأسمى وتطورت أدواتها. كان الحجرُ والفأسُ والسيفُ والرمحُ والماءُ والنارُ والهواءُ ومن ثم وسائلَ يعدها البشرُ منجزاتٍ متقدمة يتباهونَ في بيعها وشرائها. لم تقتصر خسائرُ المتحاربينَ على من في المعركةِ الذين اختاروا القتالَ وشملت من يُباع  ويُشترى ويُسبى من ذراريهم. ازداد تقدمُ البشر وازداد عددُ القتلى من معتزلي القتالِ وأحرقَ اللهبُ الشجرَ والحجرَ وكُلَّ ما بناهُ المهزومونَ في طولِ حضارتهم وعرضها.

كانت أخبارُ الحرب في السابق تصلُ بعد مدةٍ، ينقلها الرواةُ ومن بقي من المتحاربين كلٌّ يروي النتائج والاسباب كما هواها. الآن تصل الأخبارُ دونما وقتٍ ولكن بقيت خيانةُ النقلِ وازدادت خيانةُ الصوتِ والخط صورةً في المقدمات والنتائج. أصبحنا نرى ونسمع صوتَ الحرب كل لحظةٍ وتأتي أهمَّ خبرٍعند البشر في ”موجز الأنباء“. يعدون الموتى والجرحى والغنائمَ وما تهدم من حضاراتٍ إنجازاً للمنتصرِ ونكايةً بالخاسر. كان الأنجع أن تكون النتائجُ دافعاً كي يطأطأ الرجالُ رؤوسهم حزناً وخجلاً من الحرب لا فخراً بها.

خلق الله الأرض وأودعها ما يكفي أهلها من المأكل والملبس والمسكن ولكن الرجالَ ابتكروا غوايةَ النساء وحُبَّ المالِ وجشعَ السلطة التي يأكلهم وقودها. يسمعُ الأحياءُ أخبارَ الموتى في نشرةِ الأخبار ولكن من يموت أنهى مراحلَ النزاعِ في الدنيا وصار في محكمة الآخرة، فهل يسمع الموجز؟

أعطى علي بن أبي طالب الموتى موجزَ النشرةِ في نفسٍ حزينةٍ يعرفها الأحياء:

قال  لرجلٍ ذم الدنيا كل الذم -: أيها الذام للدنيا، أنت المتجرم عليها أم هي المتجرمة عليك؟ ثم التفت إلى أهل المقابر فقال: يا أهل التربة، ويا أهل الغربة، أما المنازلُ فقد سُكنت، وأما الأموالُ فقد قُسمت، وأما الأزواجُ فقد نُكحت، هذا خبرُ ما عندنا، فما خبر ما عندكم؟ ثم أقبل على أصحابه فقال: والله لو اذن لهم في الكلام لأخبروكم أن خير الزاد التقوى.

أعاد الموجز مرةً أخرى ولم يتغير سوى بلاغة النص:

قال  وقد مر على المقابر -: السلام عليكم يا أهل القبور، أنتم لنا سلف، ونحن لكم خلف، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، أما المساكن فسُكنت، وأما الأزواج فنُكحت، وأما الأموال فقُسمت، هذا خبر ما عندنا، فليت شعري ما خبر ما عندكم؟ ثم قال: أما إنهم إن نطقوا لقالوا: وجدنا التقوى خير زاد.

أخبرهم أنهم بعدَ نعيهم قد رُزِأوا في كل أسباب الحرب، من مات حتف الأنفِ ومن مات بحد السيف، من وعظته نفسه ومن لم تعظه وقف يرتل كتابه أمام الله. لا يجب أن يكون مصدرِ الجمال وزينتها مقبرةَ جماجمِ البشر. الموجز كله للأحياءِ وموجزهُ في ”خير الزاد التقوى“. تختزلُ الحروبُ حياةَ الكثير من البشر، لو تيقنوا أنهم يكونونَ في موجز الأنباءِ صنواً لأخبارِ الزلازلِ والعواصفِ والشر لخمدتْ في نفوسهم كُلُّ أسباب البغضِ والحقدِ وهمسوا في آذانِ الأحياء" أسكتوا المذياع".

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 1
1
طاهرة آل سيف
[ صفوى ]: 12 / 4 / 2018م - 9:53 ص
ليت الدنيا خُلقت بلا حرب ، هل نلوم قابيل الذي اشعل أول شرارة لها ، أم نلوم أبانا آدم حين هوى بنا إلى الأرض ، أم هي دائرة بين الأمم حتى تفنى أمة وتُستخلف أخرى ، يدعو الإنسان للسلام ويحب السلام ولم يدركه . كل الشكر لك أستاذ هلال .
مستشار أعلى هندسة بترول