ماذا يعني إنشاء أوركسترا ودار للأوبرا في السعودية
إنشاء دار للأوبرا في المملكة يعد تحولا ثقافيا مهما في علاقتنا بالشعوب وحضارات العالم، وبدء خروجنا من نفق الغم، وعودتنا إلى طريق التقدم والنهضة
أعتقد أن صورة مبنى «أوبرا السعودية»، ستزيح قريبا صورة «أبراج الرياض» و«نافورة جدة» من صدارة المعالم السياحية في المملكة، ليس فقط لما يعنيه هذا الصرح من أهمية، بل أيضا لما للأوبرا من معانٍ ثقافية لا تحصى، ولما سيشكله وجودها من أهمية سياسية واجتماعية وثقافية واقتصادية، إضافة إلى ما ستحققه من نقلة نوعية في المزاج العام، الذي تعب، بعد أن أرهقته قوى التزمت والغلو التي حرمت الفن والثقافة، ومنعت كل ما يرقق القلب ويطهر النفس ويربط البشر ببعضهم بعضا.
قبل أيام، سعدت وغيري، بالاتفاقية التي تم توقيعها مع دار الأوبرا في باريس لمساعدة السعودية على إنشاء أوركسترا وطنية ودار للأوبرا، ولا يمكن وصف شعورنا ونحن بداخل ذلك الصرح الذي طالما انتظرنا بزوغه في وطن الحب والجمال. وحيث إن المشروع سيصبح واقعا على الأرض، ويشكل رأس حربة لمحاربة قوى التشدد والتطرف، فإن أي كلام سلبي عن تكلفته أو من سيديره، يعتبر لغوا لا طائل منه.
ففي الحروب يتم التضحية بالأموال والأرواح من أجل تحقيق النصر، ونحن اليوم في حرب حضارية مع أعداء الفرح وخفافيش الظلام، ولا صوت يعلو على صوت معركتنا السلمية مع قوى التطرف.
لا أحاول هنا ادعاء المعرفة، ففهمي للأوبرا والموسيقى العالمية عموما لا يتجاوز فهم الكثيرين، ولكني أتكلم هنا عن مشاعري الشخصية لحظة الشعور الموسيقي التي تشبه تلك التي يشعر بها من يهيم بسماع صوت الفن الهندي دون أن يعرف كلمة هندية واحدة. نعم هذه هي الموسيقى والفن إنها لغات عالمية، لا تحتاج الألمانية لتفهم موسيقى بيتهوفن مثلاً، ولا تحتاج للغة النمساوية لتفهم أوركسترا موزارت، ولا تحتاج للإسبانية لتستمتع بلوحة لبيكاسو، وعندما تعيش في مجتمع يتأفف من هذه الفنون ويحاربها، فأنت تعيش في مجتمع لا يتحاور بلغات عالمية، لا يريد أن يعرف الآخر المختلف ولا يرغب في مد جسور الوصال العالمية. أنت هنا تعيش متقوقعاً، مع عاداتك وتقاليدك ولغتك وعقيدتك ومفاهيمك. نعم، غياب الفن والثقافة هو سبب رئيس في فساد النفوس وفساد الأخلاق وبالتالي فساد كل شيء.
ولمن لا يعرف مفهوم الأوبرا تقول الويكيبيديا: «عمل مسرحي غنائي مؤلّف درامي غنائي متكامل يعتمد على الموسيقى والغناء، يؤدى الحوار بالغناء بطبقاته ومجموعاته المختلفة، موضوعها وألحانها تتفق وذوق وعادات العصر الذي كتبت فيه، وتشتمل الأوبرا على الشعر والموسيقى والغناء والباليه والديكور والفنون التشكيلية والتمثيل الصامت والمزج بينها. كما تشتمل أغانيها على الفرديات والثنائيات والثلاثيات والإلقاء المنغم أو الرسيتاتيف … والغناء الجماعي «الكورال» وبمصاحبة الأوركسترا الكاملة».
إنشاء دار للأوبرا في المملكة يعد تحولا ثقافيا مهما للمملكة في علاقتها بالشعوب وحضارات العالم. ومخطئ جدا من يعتقد أن الأوبرا هي نموذج غربي صرف، فهناك دار الأوبرا المصرية والكويتية والعمانية والإماراتية والصينية واليابانية والكورية.
أخيرا أقول نشكر الحكومة، ولكل من ساهم في إيجاد هذا المعلم الثقافي العظيم على أرض المملكة، ونتمنى أن يكون يوم افتتاحه يوما مشهودا في تاريخ المملكة، وبدء خروجنا من نفق الغم، وعودة المملكة إلى طريق التقدم والنهضة.