الإمام موسى الكاظم (ع) دروس وعبر
رغم قساوة الظروف التي عاشها الإمام الكاظم ، إلا أن الإمام استطاع أن يمارس دوره في حمل الرسالة ومعالجة قضايا الأمة الفكرية والعقائدية والأخلاقية.
وعند قراءة سيرته العطرة، يمكننا أن نقتبس منها الدروس التالية:
كَظْم الغَيْظ
وهو من مكارم الأخلاق في الإسلام، ولا يتمتع به إلا صاحب القدرة الكافية على ضبط النفس، وتجاوز مثيرات الغضب، والترفع عن الردود السلبية، والقدرة على التسامح في مقابل الانتقام.
وإنما لقّب الإمام الكاظم بذلك لما كظمه من الغيظ عما فعل به الظالمون من التنكيل والإرهاق حتى قضى شهيداً مسموماً في ظلمات السجون لم يبد لأحد آلامه وأشجانه بل قابل ذلك بالشكر لله والثناء عليه، ويقول ابن الأثير: «إنه عرف بهذا اللقب لصبره، ودماثة خلقه، ومقابلته الشر بالإحسان».
فما أجمل أن ترسخ في ذاتك هذا الخلق النبيل، وتكن متسامحاً، رفيقاً في تعاملك مع الآخرين، لتشعر بالسعادة وراحة النفس، وستكسب محبة الآخرين.
التوجيه الأخلاقي
نحتاج إلى عملية ناجحة لمعالجة بعض المظاهر الاجتماعية، عملية تدرس اسباب نشوء الظاهرة الاجتماعية ومعالجتها بطريقة حضارية، بطريقة تستوعب كل ابعادها لتضع حلا سليماً لها. مبتعدين عن الأساليب غير المدروسة، أو الأساليب التي ربما تسبب ردات فعل عكسية.
بعبارة نحتاج إلى برنامج سليم يدرس الظاهرة ويقوم على علاجها وفق خطة حديثة مناسبة لكل الجوانب، وهذا ما نجده في سيرة الإمام الكاظم وقصّة بِشْر الحافي، حيث كان يمرّ الإمام أمام منزله، فسمع صوت الغناء يخرج من الدار، فصادف أن التقى الإمام بجارية لدى بشر الحافي فسألها الإمام : «يا جَاريَة، صاحِبُ هذهِ الدّارِ حُرٌّ أَمْ عَبْدٌ؟»، فقالت: «حرّ»، فأجابها الإمام : «صَدَقْتِ لَوْ كان عَبْدَاً لَخافَ مِنْ مَوْلاه». ولمّا سمع بِشْر كلمات الإمام هذه اهتزّ كيانه من الأعماق، فتاب على يده وأصبح من أصحابه.
إنه فن التوجيه الاخلاقي، وفن العلاج لمثل هذه الظواهر..
التوجيه العبادي
تأخذنا الحياة بمشاكلها وهمومها، ونظل في دوامة من المد والجزر مع تقلبات وانشغالات الحياة، حتى نجد أنسفنا قد بعدنا كل البعد عن الله، لذلك نحن بحاجة إلى قطع تلك المسافات «الجافة» بلحظات من الخلوة مع الله، للاتصال بالله عبر مناجاته وإعادة الحياة والنقاء إلى ذلك القلب الذي أرهقته الذنوب.
وهذا ما نجده في سيرة الإمام الكاظم فقد كان أعبد أهل زمانه وأزهدهم في الدنيا وأفقههم وأعلمهم. وكان دائم التوجّه لله سبحانه حتى في أحرج الأوقات التي قضاها في سجون العباسيين حيث كان دعاؤه «اللهمَّ إنكَ تعلمُ أَني كنتُ أسألُكَ أنْ تفرِّغَنِي لعبادتِكَ وقدْ فعلْتَ فلكَ الحمدُ».
التوجيه الثقافي
مارس الإمام الكاظم دوره التوعوي والتصدي لبيان الحقائق العلمية من خلال المناظرات وحلقات العلم مع المذاهب الأخرى، والإجابة على أسئلة الناس الفقهية وغيرها، وقد قال الشيخ المفيد: وقد روى الناس عن أبي الحسن موسى فأكثروا، وكان أفقه أهل زمانه.
كما قام ببناء الكادر المتخصص من الفقهاء ورواة الحديث تقدّر كما ب «319» صحابيا كل منهم تلقى العلم والمعرفة من الإمام الكاظم وقد خضعت هذه الجماعة بانتمائها الفكري الى برمجة متقنة يمكنها مواجهة التحديات الثقافية والفقهية والابداع في ميدانها الخاص.
خريطة بناء العقل
وفي المجال الثقافي نجد وصيّته الثمينة لهشام بن الحكم والتي سُمّيت برسالة العقل عند الإمام ، والتي تعد خريطة لبناء العقل الإسلامي.
إليك هذه المقتطفات منها:
- يا هشام لكل شيء دليل ودليل العاقل التفكر ودليل التفكر الصمت. ولكل شيء مطيّة ومطيّة العاقل التواضع وكفى بك جهلا، أن تركب ما نُهيت عنهُ.
- يا هشام إنّ لله على الناس حجتين حجة ظاهرة وحجة باطنة، فأمّا الظاهرة فالرسل والأنبياء والأئمة. وأمّا الباطنة فالعقول.
- يا هشام قليل العمل من العاقل مقبول مضاعف. وكثير العمل من أهلِ الهوى والجهل مردود.
- يا هشام من سلّط ثلاثاً على ثلاث فكأنّما أعانَ هواه على هدم عقله: من أظلم نور فكره بطول أمله، ومحا طرائف حكمته بفضول كلامه. وأطفأ نور عبرته بشهوات نفسه، فكأنما أعان هواه على هدم عقله. ومن هدم عقله أفسد عليه دينه ودنياه.
- يا هشام انّ العاقل لا يكذب وان كان فيه هواه.
هكذا هي سيرة الإمام الكاظم عطاء في مختلف الأبعاد رغم قسوة الظروف.