آخر تحديث: 24 / 11 / 2024م - 10:22 م

ثقافة التصنيف

محمد أحمد التاروتي *

التعاطي مع البشر وفقا للوضع المالي، والمستوى الاجتماعي، عملية مألوفة وليست مستغربة على الاطلاق، خصوصا وان التفاوت الطبقي في المجتمعات البشرية، امر شائع وضمن السنن الالهية، ”نحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ“، بيد ان الاختلافات المادية والثقافية والاجتماعية وضعت حواجز نفسية، الامر الذي ساهم في احداث انقسامات حادة، في بعض التجمعات البشرية خلال الحقب الزمنية، بحيث سيطرت فئة قليلة ذات نفوذ مالي، وسطوة اجتماعية، على مفاصل الحياة العامة، والتحكم بمصير الشريحة الواسعة، من المجتمعات الانسانية.

تكريس التراتبية وفقا للمقاييس المادية، شكلت احد العوامل في احداث شروخ في الجدار الاجتماعي، خصوصا وان التعاطي بنوع من الحقارة، وعدم الاهتمام بالشرائح الاقل مستوى، يحدث ردات فعل متفاوتة ومختلفة، مما يتسبب في نشوء تنافر، وصراع حقيقي، فطريقة التعامل غير الانسانية مع الشرائح المعدومة، او المسحوقة من قبل اصحاب النفوذ الاجتماعي، واباطرة المال، تشكل البذرة الاولى للانقسام الاجتماعي، لاسيما وان الاحتقار واللامبالاة بهموم، ومعاناة بعض الشرائح الاجتماعي، يولد حالة من الحقد، واقتناص الفرصة للانتقام تجاه الطرف الاخر، وبالتالي فان عملية ترميم الشروخ الاجتماعي، مرتبطة بنوعية التعامل بين مختلف الشرائح الاجتماعي، فكلما كانت اكثر قسوة كلما كرست حالة التباعد، بين جميع الشرائح الاجتماعية.

الثقافة الاجتماعية المرتبطة بالنظرة تجاه الشرائح الاخرى، تحدد مسار العلاقات الاجتماعية السائدة، بمعنى اخر، فان الثقافة الاسرية تمثل البذرة الاساس لنشر ثقافة التصنيف، والاحتقار تجاه الاخر، خصوصا وان الطبقات الغنية تتعامل بفوقية ونرجسية، تجاه الطبقات الاجتماعية الاخرى، الامر الذي يولد حالة من الترفع، وعدم الاحساس بمعاناة الاخر، وبالتالي فان الطبقات الغنية تنظر الى نظيرتها الفقيرة بنوع من ”التقزز“، ومحاولة استخدام مختلف الوسائل لابقائها تحت الاقدام، مما يعني ان النداءات الساعية للتعاطي بشكل مختلف، لا تجد اصداء لدى هذه النوعية من الشرائح الاجتماعية، ذات النفوذ المالي والاجتماعي.

ان التصنيف المعتمد على المستوى المالي، او الاجتماعي، تفرضه في بعض الاحيان الثقافة السلطوية، حيث تلعب الانظمة الحاكمة دورا، في تكريس هذه النوعية، من التقسيم الاجتماعي، وبالتالي فان محاولة الخروج على هذه الثقافة السائدة، يواجه بمعارضة قانونية شديدة، نظرا لوجود غطاء سياسي، يسهم في تشريع هذه النوعية من التعاملات البشرية، وبالتالي فان كسر هذه الانظمة الجائرة، تمثل الحل الانسب للتقليل من الاثار السلبية، لرسم قواعد ثابتة في التصنيف الاجتماعي، الامر الذي يفسر سقوط بعض التعاملات ”الفوقية“، في بعض المجتمعات البشرية، بعد تعديل الثقافة السلطوية السائدة، الامر الذي ساهم في تحطيم تلك الحواجز المادية، والمعنوية، القائمة منذ سنوات طويلة.

ثقافة التصنيف تشكل عبئا كبيرا، في عملية النهوض الشاملة في بعض الاحيان، نظرا لما تمثله من انعدام تكافؤ الفرص، بين مختلف الشرائح الاجتماعية، حيث تقوم هذه النوعية من الثقافة بالتعاطي بمسؤولية، مع الشرائح ذات النفوذ المالي، والاجتماعي، والتهميش للشرائح الاجتماعية، ذات المستوى الاجتماعي المتواضع، مما يحرم المجتمعات من طاقات فكرية، وثقافية قادرة على المساهمة، في عملية النهوض العملي والثقافي.

كاتب صحفي