ثقافة البناء
التنوير الثقافي مرتبط، بوجود نخب قادرة على الإبداع، ومساهمة على طرح الجديد، ووقادرة اجراء مراجعة مستمرة، للوقوف على الأخطاء، ومعالجة بعض الافكار الملتبسة، او غير المواكبة للغة العصر، او غير المنسجمة مع العقل، مما يفرض اجراءع صف ذهني، لإعادة صياغة الافكار بطريقة متزنة، وغير متصادمة، مع الثقافة الاجتماعية الايجابية السائدة.
عملية البناء الثقافي، ليست منفصلة مع روح التعاون، خصوصا وان عملية البناء ليست سوى نتاج جهود تراكمية خلال سنوات طويلة، بمعنى اخر، فان التحرك باتجاه بناء مرتكزات ثقافية في المجتمع، ينطلق من روح المبادرة الفردية، ولكنها ليست حالة معزولة عن المحيط الاجتماعي السائد، لاسيما وان المجتمع يشكل الحاضنة الحقيقية، لنمو بذرة البناء، وتكريس قواعد المعطى الثقافي، في التفكير الاجتماعي، الامر الذي ينعكس على صورة حراك ثقافي، قادر على احتضان الجميع.
بث روح البناء للمساهمة في المشروع الثقافي، امر بالغ الأهمية، لاسيما وان المشروع الثقافي بحاجة للجميع، من خلال وضع اللبنات الواحدة تلو الاخرى، بغرض تحقيق الهدف المشترك، لصياغة المشروع التنويري الشامل، مما يستدعي التحرك الجمعي للوقوف بحزم امام النزعة الفردية، بالاضافة لمحاربة الحالة الاتكالية، نظرا لما تمثله من خطورة كبرى، على المشروع الثقافي الاجتماعي، الامر الذي يتطلب وضع منهجا قادرًا، على استيعاب الجميع، واحتضان مختلف الافكار، بما يخدم الحالة الاجتماعية، ويسهم في تقويم السلوك الثقافي الجمعي.
البناء الثقافي بما يمثله من هدف نبيل، يتطلب وضع خطة على الصعيد الفردي، والجمعي، لاسيما وان تبديل النزعة السلبية، الى حالة إيجابية لدى الفرد، يخلق ظروفا لتفجير الطاقات الكامنة، بما يقود في النهاية للمساهمة، في المشروع التنوير الشامل، وبالتالي فان التحرك للقضاء على النظرة التشاؤمية، في مهدها لدى الفرد، يقود لإشاعة الروح المسؤولة، القادرة على المساهمة في عملية البناء، بمعنى اخر، فان انتشال الفرد من مستنقع الروح السلبية، تجاه المشروع التنويري الاجتماعي، يقود الى إيجاد بيئة اجتماعية صالحة، وغير معطلة للسير قدما، باتجاه النهوض الثقافي الإيجابي، لاسيما وان المشاريع الثقافية تصطدم بمخاوف، وحالة من التوجس لدى البعض، بحيث ينعكس على شكل مواقف معارضة ورافضة، جراء سيطرة النظرة السلبية، تجاه البناء الثقافي الجديد، ”الناس اعداء ما جهلوا“.
وعلى الصعيد الجمعي، فان المشروع الثقافي بحاجة الى بث روح التعاون الإيجابي، باعتباره الوسيلة المناسبة، لتسخير الطاقات في اتجاه المشروع الجماعي، بيد ان التعاون لا يعني إغلاق التفكير الفردي، بما يخدم المشروع الكلي، خصوصا وان الاختلاف في طريقة التفكير، يسهم في احداث حالة من التكاملية، ”العاقل من جمع عقول الناس الى عقله“، ”اختلاف امتي رحمة“، وبالتالي فان فرض حالة من التفكير على الجميع، يُحد من القدرة على رفد مشروع البناء الثقافي، بالافكار الجديدة، والقادرة على الانطلاق، لمواجهة التحديات الاجتماعية، ويقود الى تشكيل قواعد مشروع يتناغم مع العصر، ومعالجة المطبات على اختلافها، بمعنى اخر، فان ثقافة البناء عملية مستمرة، وليست مؤطرة لحقبة زمنية، او مرهونة بجيل دون الأجيال اللاحقة، فهي مشروع قادر، على التجدد بشكل دائم.