آخر تحديث: 24 / 11 / 2024م - 10:22 م

ثقافة المعلبات

محمد أحمد التاروتي *

عملية النهوض الثقافي، مرتبطة بوجود قدرة دائمة على التجديد، ورفض الركون للواقع المعاش، خصوصا وان الوقوف امام التجديد، يترك اثارا سلبية، على المسيرة التنموية والتنويرية، الامر الذي ينعكس على شكل فقر شديد في العطاء الفكري، وعدم القدرة على مسايرة التطور العالمي، وبالتالي البقاء في مؤخرة الاقوام، ومحاولة استجداء الاخرين، مما يحول دون بناء منظومة ثقافية مستقلة، قادرة على قراءة الواقع، واستشراف المستقبل.

الاتكاء على التاريخ الباهر، في قيادة التنوير الثقافي، ترك فجوة كبرى، بين العطاء الثقافي، وامكانية ولادة النخب الفكرية، فالمجتمعات التي تفاخر بتاريخ الاجداد، ودورها في رفد الثقافة الانسانية بالعلوم، بقيت تراوح مكانها دون القدرة على المساهمة، في عملية النهوض الثقافي البشري، نظرا لركونها على التاريخ الغابر، وعدم التحرك الجاد، لبناء المنظومة الفكرية الذاتية، مما جعلها ”عالة“ على الثقافات الاخرى، جراء عدم امتلاكها البنية الخاصة، القادرة على مزاحمة الثقافات العالمية.

ثقافة المعلبات ”الجاهزة“، تخلق مشاكل على الصعيد الاجتماعي، خصوصا وان استيراد الافكار، دون الالتفات للاثار المترتبة، على نشر مثل هذه الثقافات، على البيئة الاجتماعية، يترك بعض التشوهات في الثقافة الاجتماعية، لاسيما وان كل ثقافة تنطلق من البيئات الاجتماعية، وبالتالي فان سيطرة ثقافة على بيئة اجتماعية، لا يعني قدرتها على اختراق، بعض المجتمعات الاخرى، نظرا لوجود سلوك وتقاليد اجتماعية، مغايرة ومختلفة، مما يعني ان محاولة تسويق بعض الافكار، باعتبارها العصا السحرية، للقضاء على بعض المشاكل الثقافية، امر محفوف بالمخاطر، على الشرائح الاجتماعية.

الكثير من ”المعلبات“ الجاهزة، اصطدمت بواقع مغاير، ووصلت الى طريق مسدود، نظرا لولادتها في بيئات مختلفة تماما، فالبعض يتحرك لاستقطاب بعض ”المعلبات“، نتيجة الانبهار، او الحالة الانهزامية، مما يدفعه لمحاولة استنساخ تلك الافكار، بشكل حرفي، بمعنى اخر، فان الشعور بالانهزامية، يحرك بعض النخب الثقافية، لترويج بعض ”المعلبات“ في المجتمع، الامر الذي يساعد على احداث ارتباك داخلي، تظهر تداعياته على شكل نزاع، بين القناعات الاجتماعية، والافكار المستوردة، وبالتالي فان محاولة الاجبار على اعتناق تلك الافكار، يولد ردود فعل متفاوتة، وغير متوقعة على الاطلاق.

الرهان على الخارج، يكون خاسرا في الغالب، لاسيما وان الافكار المستوردة، ليست قادرة على اختراق، المنظومة الثقافية السائدة، لدى المجتمع، مما يستدعي الاعتماد على الذات، في عملية النهوض الشامل، خصوصا وان النخب الثقافية قادرة على خلق واقع، يتناغم مع الاحتياجات الحقيقية، ومسايرة التطور الفكري العالمي، مما يساعد على ايجاد ”تزاوج“ قادر على الصمود، في وجه التيارات المعارضة، سواء على الصعيد الداخلي، او الخارجي، بمعنى اخر، فان الانطلاق بقوة باتجاه رسم واقع ثقافي معاصر، مرتبط بقدرة النخب الثقافي، على تجاوز مرحلة ”الابهار“، والحالة الانهزامية، تجاه الاخر، مما يتطلب وضع اليات قادرة على نقش مستقبل ثقافي، يرفض ”المعلبات“ بما تحمله من تشوهات خطيرة، على الثقافة الاجتماعية المستندة، على جدار التقاليد، والقناعات السائدة.

كاتب صحفي