آخر تحديث: 24 / 11 / 2024م - 10:22 م

الجاسوس الروسي.. والأزمة الدبلوماسية

محمد أحمد التاروتي *

تصاعدت أزمة تسمم الجاسوس المزدوج سيرغي سكريبال في جنوب بريطانيا، بشكل متسارع على ضوء الخطوة الجماعية، التي اتخذتها الولايات المتحدة وعدة بلدان أوروبية، بطرد دبلوماسيين روس في تلك الدول، نتيجة اتهام لندن اجهزة المخابرات الروسية، بالضلوع في عملية اغتيال الجاسوس سكريبال، بواسطة استخدام غاز قاتل.

التصعيد الكبير للبلدان الاوروبية، بالاضافة للولايات المتحدة، يعطي دلالة على وجود اتفاق جماعي، على اتخاذ موقف متشدد، تجاه عملية اغتيال الجاسوس الروسي، خصوصا وبريطانيا اعتبرت العملية مساسا بكرامتها، وإهانة مباشرة، وتقليلا من هيبتها، واستخفافا بالامن في بلادها، الامر الذي يستدعي اتخاذ مواقف صارمة، بحيث أسفرت التحركات الدبلوماسية، التي بدأتها لندن خلال الأيام مع الدول الاوروبية، لكسب التعاطف، عن الاتفاق على اجراء صارم، الامر الذي تمثل في اعلان الموقف التصعيدي، بطرد اكثر من مائة دبلوماسي روسي، في عدة بلدان أوروبية، وفي مقدمتها قرار ادارة ترامب بطرد 60 دبلوماسيا، منهم 12 موظفا في بعثة الامم المتحدة.

اصرار موسكو خلال الأيام الماضية، على البراءة من عملية اغتيال الجاسوس الروسي، في بريطانيا، اذ لم يشفع لها في تخفيف النبرة العالية، من قبل رئيسة الحكومة البريطانية تيريزا ماي، حيث اعتبرت نفي موسكو غير كاف للتبرئة من عملية التسمم، وبالتالي فان مستقبل العلاقات الروسية - الاوروبية، مرشح لمزيد من التدهور في الأيام القادمة، خصوصا وان موسكو ستقدم على اتخاذ خطوات مماثلة، بإبلاغ بعض موظفي السفارات الاوروبية، وعلى رأسها وفرنسا وألمانيا، بضرورة مغادرة البلاد في غضون ايام قليلة.

التحول الخطير في العلاقات الروسية - الاوروبية، وكذلك الروسية - الامريكية، مؤشر على بدء مرحلة جديدة من العلاقات السياسية، بين تلك الاطراف، خصوصا وان الدول الاوروبية ستعمد لفرض عقوبات اقتصادية جديدة، مما يضاعف من الاعباء الاقتصادية على روسيا، فالاقتصاد الروسي يعاني من مشاكل عديدة، جراء العقوبات المفروضة عليها، على خلفية الأزمة الاوكرانية، وبالتالي فان جميع الاحتمالات مفتوحة، بين الاطراف على خلفية قضية ”سكر يبال“، فالعواصم الغربية ستحاول استغلال الأزمة الدبلوماسية، بشكل كبير على الصعيد العالمي، من خلال التأثير على بعض الدول، لاتخاذ مواقف متشددة، تجاه موسكو فيما يتعلق بملفات عديدة.

موسكو ستحاول إظهار الحزم والشدة، في مواجهة الهجمة الدبلوماسية الجماعية لواشنطن، والعواصم الغربية، خصوصا وان الرئيس الروسي بوتين المنتشي بالفوز الساحق، بالولاية الجديدة، سيحاول الظهور بمظهر الرجل القوي، وغير المستسلم للضغوط الاوروبية، الامر سيظهر على شكل حزمة مواقف، واجراءات على غرار الموقف المماثل، الذي اتخذه تجاه قرار لندن بطرد بعض الدبلوماسيين، من خلال المعاملة بالمثل، وطرد الدبلوماسيين البريطانيين وإغلاق المعهد الثقافي البريطاني، بمعنى اخر، فان القرار الاوروبي الذي نزل على موسكو كالصاعق، ستحاول امتصاصه في البداية، قبل التفكير في اثاره الاقتصادية، وابعاده السياسية، وانعكاساته على الملفات العالمية، الامر الذي يشكل إطلاق شرارة الحرب الباردة، بين موسكو وواشنطن، ومن خلفها العواصم الاوروبية.

كاتب صحفي