ثقافة التحولات
البحث عن الجديد، ومحاولة تجاوز الأغلال الاجتماعية، ومواكبة العصر، أمور هامة لعملية النهوض الذاتي، والانتقال من مرحلة متأخرة لأخرى متقدمة، لاسيما وان السيرة على وتيرة وحيدة، يحمل في طياته خطورة كبرى، على الصعيد الشخصي، وبالتالي الاجتماعي، مما يستدعي التحرك الجادة، لإعادة الصياغة التركيبة الثقافية للفرد، باعتباره المحرك نحو إيجاد الارضيّة المناسبة، للتحول الإيجابي الاجتماعي.
عملية التغيير مرتبطة بوجود الارضيّة المناسبة، والمناخ الاجتماعي، فالرغبة في النهوض، والتحول نحو الاحسن، امر مطلوب، ولكنه ليس كافيا، او قادرًا على ترجمة تلك الرغبة على الارض، فالعملية بحاجة الى وضع استراتيجية متكاملة، وتوفير المتطلبات، والأدوات اللازمة، للوصول الى الهدف المرسوم، بمعنى اخر، فان الدعوة الى التغيير بدون وضع الدراسات المطلوبة، بمثابة نقش على الماء، كما ان غياب البيئة الاجتماعية الداعمة للتغيير، يمثل نكسة كبرى لجميع التحركات الجادة، لأحداث تحولات جذرية، باتجاه بناء رؤية مستقبلية واعدة، وبالتالي فان توفير الاشتراطات الواجبة، لأحداث ثورة حقيقية في وجدان المجتمع، تبدأ من الفرد، وقدرته على استيعاب أهداف تلك التحولات، والتحرك العملي باتجاه ازالة العوائق المادية، والمعنوية، التي تعترض طريق التغيير الجذري.
التغيير هدف سام للمجتمعات البشرية، باعتباره المنقذ الاول للدخول في مرحلة جديدة، ومغايرة في المسيرة التنويرية، خصوصا وان التحول بالاتجاه الإيجابي، يرسم مستقبل زاهر للجيل الحالي، والأجيال القادمة، بمعنى اخر، فان الحديث عن التغيير، لا يقتصر على الاثار الايجابية للمرحلة الحالية، بقدر ما يشمل المسيرة الاجتماعية الشاملة، خلال العقود القادمة، لاسيما وان البناء القائم على الأسس الصحيحة، والثابتة يقود لمواصلة التقدم، خلال الأجيال اللاحقة، ”إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ“، وبالتالي فان المبادرة الجادة للفرد للتغيير، عنصر حاسم في كسب معركة الصراع، مع الذات والعراقيل، التي تضعها بعض الشرائح الاجتماعية.
الرهان على التغيير الإيجابي، مرتبط بالقضاء على الحالة السلبية، والتعاطي بالتفاؤل، والقدرة على الوصول للهدف المرسوم، خصوصا وان الجديد يواجه في الغالب بمعارضة شديدة، ”الناس اعداء ما جهلوا“، فعملية الوقوف بالمرصاد للدعوات الساعية، لأحداث نقلات جذرية في الذات، والبيئة الاجتماعية، تنبع من دوافع متعددة، بعضها ناجم من الخشية، من الاثار المترتبة للتغيير، على التركيبة الاجتماعية، وبالتالي فان اصوات المعارضة، لا يحمل في طياته نوايا خبيثة، او شريرة، بقدر ما تحركها بعض المخاوف من الاثار الناجمة، عن التداعيات المستقبلية على المجتمع.
فيما يتحرك البعض من قناعات شخصية، او نظرة سلبية، اذ يعمل جاهدا على وضع العصا في العربة، لمنعها من التحرك باتجاه المستقبل، لاسيما وان الحركة التغييرية، تسهم في رفع الوعي في المجتمع، الامر الذي يقود لتعرية بعض الشرائح الاجتماعية، التي ساهمت في المراحل السابقة، في تكريس حالة من التخلف، وتغذية عناصر الجهل، لدى المجتمع، بمعنى اخر، فان التحرك الجاد للتغيير، يهدد مصالح بعض الشرائح الاجتماعية، مما يدفعها لاستخدام نفوذها، وسلطة المال، في سبيل تعطيل حركة التحولات الايجابية، في المجتمع.