ثقافة الحجر
الحجر ممارسة شائعة، لدى شرائح واسعة، من المجتمعات البشرية، فتارة تكون بشكل مادي، واخرى تبرز بصورة معنوية، فالحجر اسلوب تعسفي، يمارس تجاه بعض الافراد، مما يؤدي لحرمانهم القدرة على التحرك بحرية مطلقة، الامر الذي يشكل خطورة كبرى، على المسيرة التنموية او الاجتماعية، جراء سيطرة سلوك شاذ يتناقض مع الطبيعية البشرية، القائمة على الحرية، ورفض العبودية بشتى اشكالها، ”لا تكن عبد غيرك وقد جعلك الله حرا“.
يستخدم البعض الحجر المادي، اسلوبا للقضاء على ”الازعاج“، الذي يمثله البعض في المجتمع، فهناك فئات اجتماعية تفضل الاستحواذ، على الساحة، ومنع بروز اسماء جديدة، مما يدفعها لنصب الكمائن للاخرين، باعتبارها الطريق الوحيد، لابعاد المنافس من الساحة الاجتماعية، فالحجر يكون عبر اساليب متعددة، ومختلفة، فتارة يكون عن طريق ”السجن“، واخرى بواسطة الترويض القسري، بمعنى اخر، فان الظرف الزماني والمكاني، يحدد الطريقة المناسبة، لاستخدام الحجر في التعاطي مع الاخر، الامر الذي يمهد الطريق، امام الاستفراد التام بالساحة الاجتماعية.
يعتبر الحجر الثقافي من اخطر الممارسات، على الصعيد الاجتماعي، خصوصا وان محاولة ”قتل“ الفكر، ومنع التفكير يحرم البشرية، من التطور والنهوض الشامل للامم، لاسيما وان العلماء يمثلون الرئة، التي تتنفس من خلالها المجتمعات، وبالتالي فان استبعاد هذه الشريحة، من نشر الفكر الانساني، يخلق مشاكل كبرى، على صعيد تكريس التخلف، ونشر الجهل، وسيطرة الاساطير، على حساب التنوير الفكري، القائم على الحقائق العلمية.
اللجوء الى استخدام ”الحجر“، مرتبط بوجود تيارات متباينة، فالصراع الفكري والثقافي، الدائر بين النخب الثقافية، يدفع بعض الاطراف القريبة من السلطة، لتحريضها على اتخاذ مواقف حاسمة، للوقوف امام ”كفر“ تلك الجماعات، نظرا لنشرها بعض الافكار الخارجة عن السياق العام، بمعنى اخر، فان شعور بعض النخب الثقافي، بقرب الهزيمة في المعارك الفكرية، يدفعها للتقرب من البلاط، من اجل تسجيل نقاط، على حساب الطرف المنافس، وبالتالي فان الخلافات الثقافية بين النخب الفكرية، تتطور في بعض الاحيان، لتصبح صراعا وجوديا على الساحة، مما يستدعي احد الاطراف، لاختيار القوة طريقا، لاخراج الخصم، من الساحة بدواعي مختلفة.
السلطات الحاكمة في الغالب، تضيق ذرعا بالسقف العالي للحرية، خصوصا وان الحرية المطلقة تسبب ”الصداع“، لبعض الشخصيات النافذ في الدولة، مما يدفعها لاستخدام النفوذ السياسي، والقدرة المادية، لانتهاج سياسة ”المنع“، في محاولة لاجبار الطرف المقابل، على الانسحاب من المعركة، او الاستسلام للامر الواقع، فالتاريخ يتناول الكثير من الممارسات القمعية، التي استهدفت العلماء، فتارة تكون عبر حرق المكتبات، واخرى من خلال نصب المقاصل في الساحات العامة، حيث تتمحور جميع تلك الممارسات، في فرض الوصاية على الفكر، ومنعه من الانتشار في المجتمع، لاسيما وان الفكر يشكل الوقود القادر، على اشعال سراج المعرفة، وطرد التخلف من عقول المجتمع، الامر الذي يفسر استمرار ”الحجر“ الفكري، على النخب الثقافي، في مختلف الحضارات البشرية، التي سادت في القرون السالفة.