الدعاء عزم وعمل
ورد عن الإمام الرضا : ﴿من سأل الله التوفيق.. ولم يجتهد فقد استهزأ بنفسه﴾ «البحار ج 75 ص 358».
ما هي حقيقة الدعاء الذي يمثل قيمة إيمانية عالية ترفد العبد بالعزم والإرادة وقوة الثبات في المواطن الصعبة، وتورثه التماسك والاستقامة في مواجهة المغريات، من خلال يقظة روحية بخطوات الشيطان وتسويلات النفس المستجيبة لمقارفة المعصية؟
هناك فهم خاطيء لحقيقة الدعاء وسؤال الحوائج من الباري الصمد، فيعتقد البعض أنها مجرد لقلقة لسان وترديد الكلمات من غير تفاعل وجداني وفكري معها، وأن الأخبار الواردة في فضل وقيمة وآثار الأدعية المباركة تتحقق بمجرد اللهج بها بأي كيفية كانت، ولو كان القلب ساهيا لا يعي ولا يلتفت لمعانيها.
الدعاء مفهوم لصياغة شخصية الإنسان الإيمانية والثقافية والعقائدية، فتخلق عنده شعورا بالمسئولية وهمة في ساحة العمل وتحمل المتاعب، كما أن عقله تتفتح له آفاق المعارف التي يستوعبها فهما وتطبيقا فلا تبقى حبيسة التنظير أو التعاجز والتكاسل.
يقف المرء في تلك الأدعية على حقيقة عظمة الباري، متأملا في آياته المبثوثة في الكون وفي نفسه، مما يحرك جوارحه نحو مقابلة تلك النعم بالشكر وأداء حقها، فهذا اليقين الذي يورثه ثقة وطمأنينة بمجريات الأمور وأحواله وفق التدبير الإلهي، بلا شك يجعله يسير ما بين مطبات الحياة بكل عزم وقوة.
إن تحمل المسئولية في جميع قراراته وخطاه هو مبدأ مهم في التوكل على الله تعالى وطلب التوفيق منه، فعندما يتحمل المرء تبعات خطاه وتصرفاته لن يصاب يوما باليأس والشعور بالحسرة إن وقع في خطأ أو في ممر تعثر فيه، وذلك أنه لن يتهرب من مواجهة الواقع مهما كان صعبا أو مرا، ولن يلقي على عاتق أحد شماعة التبرير، بل سيتعامل مع الواقع كمشكلة عليه أن يداور زواياها والبحث عن مخارج وحلولها، ويشمر عن ساعديه لينفذ ما توصل إليه من خطوات بلا توان أو تسويف، فليس من الإيمان التواكل والاتكال والتخلي عن مسئولية الأخذ بالأسباب وتهيئة الشروط اللازمة لأي عمل يقدم عليه، وأما من يخلد إلى وسادة الأحلام الوردية والرفاهية الوهمية والإمساك بالعصا السحرية فهو كمن يجري خلف السراب، يزداد تعبا ولا يجني إلا الخيبة والحسرة، ويصاب باليأس لسيره خلف اتجاه خاطيء.
الدعاء وإن كان توجها للخالق وطلبا لقضاء الحوائج منه فهو الصمد عز وجل، ولكن هذا التعلق لابد أن يجري في سياق الأخذ بالأسباب والمقدمات، وذلك لإنجاح المأمول والظفر به بعد توفيق الله تعالى.
والتعبير بالاستهزاء بالنفس عن حرف الروح الإيمانية المرتبطة بميدان العمل الجاد والمثابرة والكفاح في ميادين الحياة، إلى مجرد تكاسل وتخاذل وترديد عبارات الدعاء فقط، فيه دلالة على المسار الخاطيء كمن يطلب الإرواء من شرب ماء البحر المالح.