ثقافة التهويل
يلجأ البعض للتهويل في القضايا الصغيرة، فما بالك بالقضايا الكبرى، اذ يعمد هؤلاء لاستخدام مختلف الوسائل، في سبيل ممارسة الضغوط على الطرف الاخر، بغرض للحصول على التنازلات، او منعه من السير قدما في مخططه، حيث تبدأ الماكنة الإعلامية في اثارة تلك القضايا، بشكل مكثف لإحراج الطرف المقابل، وبالتالي وضعه في زاوية ضيقة للغاية، الامر الذي يحرمه من المناورة، او اتخاذ طريق اخر.
التهويل من الفنون التي تمارس على نطاق واسع، في مختلف الملفات سواء السياسية، او الاقتصادية، او الاقتصادية، اذ يحاول احد الاطراف الاستفادة من البيئة الاجتماعية، لنشر الاكاذيب او محاولة استدراج الطرف المقابل، للإقدام على خطوات غير محسوبة، حيث يعمد لانتهاج أساليب متعددة، لتضخيم بعض القضايا التافهة، من اجل توجيه الرأي العام وتحشيد اكبر عدد من المجتمع، سواء بغرض الاستفادة من الجمهور، كوقود للمعركة القائمة، او الحصول على التعاطف، بغية ممارسة ضغوط شديدة، على الطرف الاخر، وبالتالي تحقيق بعض المكاسب على الارض.
امتلاك القدرة على تحوير بعض الملفات، والتركيز على زوايا، واغفال الجوانب الاخرى، تشكل عناصر هامة في عملية ادارة معركة ”التهويل“، لاسيما وان الطرف المناوئ يتحرك بطريقته الخاصة، للوقوف امام التحركات الهادفة، لحرف القضايا عن المسار الصحيح، بمعنى اخر، فان القدرة على ادارة صراع التهويل، يمثل العصا السحرية، للوصول الى الاهداف المرسومة، وبالتالي فان كل طرف يرصد التحركات بدقة متناهية، لاصطياد الهفوات والاخرى، بغرض الاستفادة منها في المعركة القائمة، بين الطرفين.
وجود الأدوات اللازمة، لتضخيم القضايا الصغيرة، احد أسباب النجاح، فالطرف الذي يتقن تسخير تلك الأدوات، بالشكل المطلوب، يتمكن من تسجيل النقاط على الطرف المقابل، فهناك أطراف لديها من الإمكانيات، والعناصر الكثيرة، ولكنها تفشل في تشغيلها بالشكل المطلوب، مما ينتج عنه سقوط مدوي في الصراع القائم، فيما تنجح بعض الاطراف في اثارة الرأي العام، وتأليب المجتمع، تجاه بعض الملفات، نتيجة الاستفادة القصوى من العناصر، والأدوات المتاحة، الامر الذي يتمثل في استسلام الطرف المقابل، بصورة مفاجئة وغير متوقعة، مما يشكل اعترافا صريحا، بالهزيمة في مواجهة الطرف الاخر.
تعتمد ثقافة التهويل على الصوت المرتفع، حيث يشكل الاعلام، بشتى اشكاله الوسيلة الفضلى، في إيصال الرسالة للبيئة الاجتماعية، الامر الذي يتمثل في شكل غزو مركز، وغير مسبوق على القضية، بحيث تشكل تلك القضية المحور الرئيسي، والوحيد، فتارة على الصعيد الداخلي، وتارة اخرى على الصعيد الخارجي، فالهدف المرسوم يتمحور في جعل القضية، محط الحديث دون منازع، مما يساعد على تحريك المياه الراكد، والظهور بمظهر القوي، والقادر على ادارة الصراع، بشكل احترافي، بيد ان التهويل يحمل في طياته بعض المخاطر، فهذه النوعية من الصراعات، تخلق ردات فعل غير متوقعة، مما يدفع الطرف المقابل، لاتخاذ مواقف متصلبة وعنيفة، وبالتالي الخروج من المعركة، بخسائر فادحة وكبرى.