ثقافة المصادرة
يمارس البعض سياسة الاستحوذ، على المشهد الثقافي، والاجتماعي، فهو لا يذخر وسيلة، في سبيل البقاء في المقدمة، ومحاولة تجاهل جهود الاخرين، بحيث يتحرك لاقتناص الفرص، لابراز العضلات، والظهور بمظهر المتفاني، والمناصر، خصوصا وانه يعرف متى يتقدم، واين يتأخر، يعرف ”من اين يؤكل الكتف“، وبالتالي فانه لا يجد غضاضة، في رفع الصوت عاليا، في بعض الاوقات، والتواري عن الانظار، في مناسبات اخرى.
مصادرة تضحيات الاخرين، تنطلق في العادة من سياسة ”الاستفراد“، والسعي الدائم لعرقلة كافة المشاريع ”الجمعية“، باعتبارها ”العدو“ رقم واحد، لاصحاب المشاريع الشخصية، فالتعاون والعمل المشترك ليس موجودا، في قائمة المفردات العملية، لهذه النوعية من الشرائح الاجتماعي، الامر الذي يفسر محاولة تصدر المشهد على الدوام، في مختلف المبادرات الاجتماعية، او الابداعات الفكرية، اذ يعمد هؤلاء من الوهلة الاولى، لاستقطاب الاضواء، في سبيل تهميش الاخرين، والوقوف بحزم امام الدعوات الساعية، لنشر ثقافة العمل المشترك، فتارة يحاول تخريب تلك المبادرات، بالتشكيك في اهدافها الاجتماعي، وتارة اخرى يسعى لاطلاق مبادرات مضادة، وتارة ثالثة يتحرك لاستقطاب بعض العناصر، لافراغ المبادرات من محتواها.
محاولة الاستيلاء على مبادرات الاخرين، لا تقل خطورة عن السرقات، التي يمارسها اللصوص، فكما ان السرقة مرض خطير، يسهم في انتشار الفوضى، وتخريب الاستقرار الاجتماعي، والامني، فان مصادرة اعمال الاخرين الفكرية والاجتماعية، تعتبر مرضا عضالا، مما ينعكس على العلاقات بين النخب الثقافية، اذ تمهد الطريق امام بروز العداوات، والاحقاد الداخلية، الامر الذي يظهر على شكل خلافات عميقة، وبالتالي حدوث انقسام كبير، بين تلك النخب الفكرية، نظرا لاحساس البعض ب ”الخديعة“، من بعض الاطراف، فالبعض يحاول التقرب من النخب الثقافية، وتقديم نفسه كمدافع عن المشاريع الثقافية، بيد انه سرعان ما ينقض على تلك المشاريع، والاستحواذ عليها، في سبيل تصدر المشهد دون منازع.
الافتقار للقدرة على الابداع، يمثل احد الاسباب وراء سياسة ”المصادرة“، ”فاقد الشيء لا يعطيه“، بمعنى اخر، فان الافتقار للامكانيات المطلوبة، وصعوبة الانخراط في نادي ”الابداع“، يدفع البعض لمحاولة انتهاج اقصر الطرق لتصدر المشهد، اذ يمثل الاستيلاء على جهود الاخرين، الوسيلة السهلة والمتاحة، بحيث يصبح بين ليلة وضحاها، نجما في سماء الثقافة، دون امتلاك الادوات المطلوبة، للارتقاء الى تلك الدرجات العليا، بيد ان الاضواء والشهرة، تدفع نحو الاستمرار، في مصادرة الاخرين، بمعنى اخر، فان الحديث عن العودة الى طريق الصواب، ليس واردا لدى هذه النوعية من الشخصيات، مما يعني ان ”الاعتراف بالحق فضيلة“، تبقى قاعدة ليست قابلة للتطبيق، على الاطلاق، نظرا للخسائر المترتبة، على اعادة الحقوق لاصحابها، والتي منها تقزيم تلك الشخصيات، وعودتها لحجمها الطبيعي، ووبالتالي فان الخيار المتاح يفرض السير قدما، في سياسة المصادرة، والبحث المستمر عن الفرص لاقتناصها، دون الالتفات لمعاناة والام الاخرين، انطلاقا من مبدأ ”انا ومن بعدي الطوفان“.