آخر تحديث: 24 / 11 / 2024م - 11:51 ص

الموسيقى

محمد العبيدان

س: عندي سؤال حول الموسيقى، العزف الهادئ على البيانو والكمان هل هو حرام شرعًا؟ وهل الأستماع له محرم؟

ج: الموسيقى علم يعرف منه النغم والإيقاع وأحوالهما وكيفية تأليف اللحون واتخاذ الآلات الموسيقية، وحددوا موضوعه بالصوت، باعتبار نظامه، والنغمةُ صوتٌ لابسٌ زماناً، تجري فيه الألحان فيجري مجرى الحروف من الألفاظ وبسائطها سبعة عشر وأوتارها أربعة وثمان والإيقاع اعتبار زمان الصوت.

وصاحب الموسيقى يتصور الأنغام من حيث إنها مسموعة على العموم من أي آلة اتفقت وصاحب العمل إنما يأخذها على أنها مسموعة من الآلات الطبيعية كالحلوق الإنسانية أو الصناعية كالآلات الموسيقية.

ولأصحاب هذا الفن رموز ينفردون بمعرفتها دون غيرهم، منها ما يعرف عندهم من القول بأن الألحان الموسيقية مأخوذة من نسب الإصطكاكات الفلكية. ولا يبعد أنها من الفنون الجبلية الغريزية، وليست من الفنون والأمور الطارئة، فإن النفس البشرية تتوق للاستماع إليها، مضافاً إلى كونها تضفي عليها ارتياحاً وهدوءاً واستقراراً.

وتظهر الثمرة العملية في تحديد كونها من أي النوعين في حكمها الشرعي، فإنه لو بني على كونها من النوع الثاني، لم يكن هناك ما يمنع من الحكم بالمنع منها مطلقاً، بخلاف ما لو جعلت من الأول، فإنه لا مجال للقول بالمنع عنها بقول مطلق، وإنما سوف يعمد إلى تهذيبها وتقنينها بوضع أسس وقوانين إليها.

ويستفاد من فتاوى الفقهاء «رض»، أن للموسيقى أقساماً:

منها: اللهوية، وقد أختلف الأعلام في تحديدها. وضابطها: كل ما كان منها مؤثراً في ضعف المناعة الروحية للإنسان بسبب شدة الخفة الناتجة من تلك الألحان، والتي تكون سبباً مساعداً على إثارة الشهوات والوقوع في الحرام.

ومنها: العسكرية: وهي التي تستخدم في المحافل العسكرية كالتحية لأحد الشخصيات العسكرية الكبيرة، أو حال عزف السلام الخاص بالدولة مثلاً.

ومنها: الجنائزية: وهي التي تعزف حال تشييع أحد الشخصيات.

ومنها: التصويرية: وهي ما كان مضمونها مشابهاً لصوت شيء في الطبيعة، كصوت العاصفة أو نزول المطر، أو تغريد البلابل، أو صوت عاصفة، أو غير ذلك. ويمكن أن نعطي ضابطة كلية لهذا القسم بأنها كل موسيقى تعطي صورة لما في الطبيعة من أصوات.

ومنها: التراجيدية: ويقصد بها الموسيقى التي تكون متخللة في المشاهد التمثيلية عادة.

ومنها: الكلاسيكية: وهي التي عادة ما تكون موجبة لهدوء الأعصاب، واستقرار النفس.

ومنها: الرومانسية: وهي التي تعزف في أوقات الحب وما شابه.

وقد تتداخل بعض هذه الأقسام مع بعضها البعض، كما يمكن أن تكون هناك أقسام أخرى لم نذكرها. وعلى أي حال، فإن المعروف بين الفقهاء أقوال ثلاثة:

الأول: الحكم بحرمة الاستماع إلى الموسيقى مطلقاً، لملازمتها للغناء فكما أن الغناء محرم فكذلك الموسيقى. بل عن بعض أعلامنا المعاصرين، الحكم بحرمتها حتى لو لم تصاحبه. ومنشأ الحرمة في القول المذكور هو مصاحبتها للغناء، وهذا يعني أنها لو تجردت منه، لن يحكم بحرمتها، نعم ما ذكره المرجع المعاصر، يختلف ذلك أنه لم يعلق القول بحرمة الموسيقى مطلقاً على وجود الغناء ومصاحبتها له، فهو وإن كان يتفق مع القائلين بالقول الأول في الحكم بحرمتها مطلقاً، لكنه يختلف في الوجه الموجب لذلك.

الثاني: الحكم بحليتها مطلقاً بدون فرق بين أقسامها. وهذا القول على نقيض القول السابق، والظاهر أن منشأ الالتزام به يرجع إلى عدم تضمن النصوص الإشارة إلى حكمها، وبالتالي عند الشك في الحلية والحرمة يكون المرجع إلى الأصول العملية، ومن البين أن المقام سوف يكون من صغريات البراءة، كونه من موارد الشك في التكليف.

الثالث: التفصيل في حكمها بين الموسيقى المشتملة على المحرم، فيحرم الاستماع إليها وبين ما لم تشتمل على ذلك فلا مانع من الاستماع إليها.

والصحيح أن هذا ليس تفصيلاً، وإنما هو عود للقول الأول، أو للقول الثاني، لأنك قد عرفت أن القائلين بالقول الأول قد علقوا الحكم بالحرمة على مصاحبتها للغناء المحرم، وهذا يعني أن حرمتها ليس ذاتية، بل حرمتها عارضة بما يصاحبها من المحرم، وعليه لو لم تكن مصاحبة لمحرم فمقتضى القول الأول هو الحكم بحلية الاستماع إليها. بل هذا أيضاً هو مفاد القول الثاني، فإنه لا يتصور أن يكون نظر القائلين بالحلية حتى مع مصاحبتها للمحرم.

نعم يبقى ما حكيناه عن أحد المراجع المعاصرين من القول بحرمة الاستماع إليها مطلقاً، حتى لو لم يصاحبها المحرم، وبيان ما يتصور من وجه إليه، خصوصاً وقد عرفت أن مقتضى الأصل في المسألة هو البراءة.

وقد حكم الأعلام «رض» بحرمة القسم الأول من الموسيقى، وهي الموسيقى اللهوية، وهي ما كان موافقاً لمجالس اللهو واللعب، ونقصد بكونها مناسبة لذلك أن الكيفية التي تستخدم في أدائها تكون مناسبة للكيفية التي تكون مستخدمة في تلك المجالس.

وهذا يستوجب ملاحظة قيدين في تحقق موضوعها:

الأول: الأدوات اللهوية التي تستخدم عادة في مثل هذه الأمور، ونعني بها آلات اللهو والطرب، كالعود والطنبور، والقيثارة، وأمثالها.

الثاني: كيفية الأداء، وهي التي تكون معروفة عادة عند أهل تلك المجالس، ويكون متداولاً بينهم.

نعم قد أخذ بعض الفقهاء قيدية الإطراب في الموسيقى حتى يحكم بحرمة الاستماع إليها، فما لم تكن كذلك، فلا يحكم بحرمتها، والمعيار في صدق عنوان الإطراب خروج الإنسان عن حالته الطبيعية، وهذا يتفاوت من فرد لآخر، إذ ربما يكون شيء من الموسيقى موجباً للإطراب لشخص، لكنه لا يوجبه لشخص آخر، وعليه فسوف يكون المرجع في تشخيص ذلك هو العرف. ولابد من أن يكون الشيء له قابلية الإطراب، فلا يكتفى بمجرد دعوى حصول ذلك منه.

وعليه، فالموجب للبناء على حرمة هذا النوع من الموسيقى، ليس عنوان الموسيقى في نفسه، وإنما بلحاظ التوابع التي لازمته، إذ نجد أخذ قيدية الموافقة لمجالس اللهو واللعب، أو الطرب، وهذا يعني أن الداعي للبناء على الحرمة في هذا القسم هو هذا، فلاحظ.

وقد يستدل للحرمة في هذا القسم بدليلين:

أولهما: التمسك بكبرى حرمة اللهو مطلقاً، والموسيقى اللهوية مصداق من مصاديقه فيحكم بحرمة الاستماع إليها. ويستثنى من ذلك الموسيقى الحربية والموسيقى الهادئة لانتفاء عنوان اللهوية فيهما لما فيهما من غرض عقلائي يستدعي انتفاء هذا العنوان عنهما.

ويتركب الدليل من قياس منطقي من الشكل الأول، كبراه أن كل لهو حرام، وصغراه أن الموسيقى اللهوية لهو، فتكون النتيجة حرمتها. ويكفي في رده الخدشة في إحدى مقدمتيه، إما بمنع الحكم بحرمة كل لهو، أو بمنع انطباق عنوان اللهوية على الموسيقى.

ثانيهما: النصوص التي دلت على عدم جواز الانتفاع بآلات اللهو، لتكون النتيجة هي حرمة الموسيقى: كخبر السكوني عن أبي عبد الله قال: قال رسول الله ﷺ: أنهاكم عن الزفن والمزمار وعن الكوبات والكبرات. والزفن بمعنى الرقص وما بعده مما جاء في الخبر الآت للموسيقى. ومن الواضح أن حصول الموسيقى اللهوية خارجاً يتوقف على الاستعمال لجملة من الآلات، وتلك الآلات ليست آلات عادية، بل هي معدودة من آلات اللهو، ولما ثبت حرمة الانتفاع بهذه الآلات، فسوف يحكم بحرمة المتحصل منها، وهو الموسيقى اللهوية.

وقد يمنع من قبول النصوص، أن أقصى ما تدل عليه هو المنع عن بيعها، ولا دلالة لها على المنع من مطلق استخدامها والاستفادة منها، وعليه لن يستفاد منها حرمة الاستماع إليها. نعم يبقى الاحتياط اللزومي بالاجتناب متعيناً.

وأما بقية الأقسام الأخرى، فإنهم قد حكموا بعدم حرمة الاستماع إليها، وظاهر ذلك انتفاء القيد الموجب للحكم بالحرمة فيها والذي قد عرفت أخذه في القسم الأول منها، إذ لا يوجد في الموسيقى الجنائزية، أو العسكرية مثلاً مناسبة لمجالس اللهو واللعب، أو الطرب.

نعم يبقى الكلام في الموسيقى التصويرية، فهل يتصور أنها من الموسيقى المناسبة لمجالس اللهو واللعب وتوجب الإطراب، أم لا؟ فإن قيل بأن الموسيقى التصويرية مما يناسب مجالس اللهو واللعب، أو اللهو والطرب، فلا إشكال في أن حكمها سوف يكون حكم الموسيقى اللهوية، أما لو قيل بأنها ليست كذلك، فلن تكون محرمة. وهذا بنفسه ينسحب بالنسبة للموسيقى التراجيدية، فما يقال في الموسيقى التصويرية يمكن قوله فيها أيضاً. ومما ذكر، يتضح حكم الموسيقى الكلاسيكية، أو الهادئة أيضاً.

فتحصل أنه لما لم يكن في البين ما يدل على حرمة الاستماع للموسيقى بقول مطلق، فيلزم البناء على حلية الاستماع إليها إلا إذا كانت مناسبة لمجالس اللهو واللعب. لأن هذه النصوص منصرفة عن إثبات الحرمة مطلقاً بل هي ناظرة إلى الحرمة في تلك العصور للوضع الذي كانت الاستفادة فيه منها، والله العالم.