ثقافة الصدمة
الخروج عن المألوف، ليس مذموما بالمطلق، وليس محمودا دائما، فهناك محطات حياتية تتطلب اتخاذ مواقف صادمة، وغير مستساغة في المحيط الاجتماعي، لاسيما وان غياب الرؤية الواضحة، تستدعي موقفا جريئا، لإيقاظ العقول النائمة، ونقل المجتمع، من حالة السبات العميق الى اليقظة الدائمة، لمواجهة التحديات المصيرية، خصوصا وان استمرار ضياع البوصلة، يترك اثارا سلبية على المسيرة الاجتماعية، ويكرس حالة الترهل الفكري، لدى شرائح متعددة، مما يستدعي انتهاج اسلوبا مغايرا، بغرض وضع الجميع امام المسؤولية، وترك الحالة السلبية.
الصدمة السلبية امر مرفوض، لدى اصحاب الحل والعقد، خصوصا وان محاولة ترك بصمة على حساب النظم الاخلاقية، والعادات الاجتماعية السليمة، تدفع لاتخاذ مواقف مضادة، لاسيما وان التحرك المعاكس لنشر الإفساد في الارض، يحمل في طياته تداعيات خطيرة، نظرا لما تشكله الثقافة السلبية، من انقسام كبير داخل المحيط الاجتماعي، الامر الذي يستدعي الوقوف بحزم امام تلك المواقف الصادمة، فالموقف المتفرج تجاه المشاريع السلبية، يسهم في تنامي مثل هذه الظواهر الاجتماعية، غير الصحية، وبالتالي فان وأد هذه التحركات في المهد، يَصْب في مصلحة الجميع، ويمثل موقفا رادعا، لكل من يحاول انتهاج الطريقة ذاتها، في المستقبل.
على النقيض فان ”الصدمة“ الايجابية، تشكل مدخلا ضروريا، لأحداث نقلة نوعية، في البينة الفكرية للمجتمع، الامر الذي يسهم في خلق تموجات ثقافية كبرى، بحيث تظهر على شكل حراك اجتماعي ملحوظ، لاسيما وان المشاريع النهضوية، تتطلب اتخاذ طرق غير مألوفة، وخارجة عن التفكير الاجتماعي السائد، فالكثير من المشاريع الضخمة تولدت من خلال الصدمات الكبرى، التي خلقتها لدى الشرائح الاجتماعية، بيد ان مخاض تلك الصدمات يكون صعبا وعسيرا، لاسيما وان الارضيّة الاجتماعية تكون غير مستوعبة، لتلك الصدمات الشديدة، الامر الذي يتطلب سقفا زمنيا، لتجذرها في البيئة الاجتماعية.
إطلاق الصدمات الايجابية على اختلافها، تستدعي دراسة الظروف الاجتماعية، وكذلك دراسة مستوى القبول والرفض، لاسيما وان الجديد يحدث ردات فعل مختلفة، ”الناس أعداء ما جهلوا“، فالبعض يقف منذ البداية في الطرف المقابل، بينما يفضّل البعض الاخر التريث، قبل اتخاذ الموقف، وبالتالي فان دراسة الارضيّة الاجتماعية، لا تعني التراجع عن السير قدما، في احداث هزة عنيفة، بقدر ما يستدعي وضع جميع الاحتمالات، بمعنى اخر، فان المراهنة على احداث اختراق حقيقي، في التفكير الاجتماعي، امر مفرط في التفاؤل، فضلا كوّن هذه النظرة بعيدة عن الواقع تماما، فالتفكير في القبول وعدم الرفض، لمختلف الشرائح الاجتماعية، منذ اللحظات الاولى للإعلان عن المشروع، تخالفه الحقائق التاريخية، على مر العصور، لاسيما وان اصحاب المشاريع الصادمة، يواجهون بالرفض من لدن شرائح اجتماعية، فهناك مجتمعات تقف بشكل كامل ضد هذه النوعية، من المشاريع حتى النفس الاخير، فيما تنقسم مجتمعات اخرى بين المؤيد والرافض، وبالتالي، فان القدرة على إيضاح أهداف، تلك المشاريع بمثابة البوابة للدخول، الى عقول وقلوب المجتمع.