آخر تحديث: 24 / 11 / 2024م - 9:28 م

التثاقف 3

محمد أحمد التاروتي *

الانتماء الى النخب الثقافية امر مباح، وحق مشروع للجميع، فالمرء مطالب بالارتقاء والتقدم على الدوام، وتحقيق النجاحات، على المستوى الشخصي، والاجتماعي، ”قيمة المرء ما يحسن“ و”سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلُ“، وبالتالي فان الانسان بما يحمل من قدرات عقلية، وامكانيات غير محدودة، قادر على تجاوز جميع العراقيل، تحول دون تحقيق اهدافه.

الشعور بالرضا، نتيجة الظهور الاعلامي، وتسليط بعض الاضواء، عناصر دافعة للانخراط في النادي الثقافي، خصوصا وان الانتشار يمثل عنصرا واحدا، ضمن مجموعة قدرات، على الصعيد الشخصي، لتشكيل المنظومة الثقافية لدى المرء، وبالتالي فان الاكتفاء بالظهور الاعلامي، لا يصنع مثقفا على الاطلاق، لاسيما وان تسليط الاضواء الاعلامية، يحمل في طياته، مخاطر حقيقية على المرء، مما يجعل البعض يتغافل عن صقل الذات، بما ينسجم مع مستوى الظهور الاعلامي، ”تكلموا تعرفوا فان المرء مخبوء تحت لسانه“، بمعنى اخر، فان الصدمة تكون كبيرة، لدى المتلقى بمجرد الاختبار، على ارض الواقع، فالاعلام سلاح ذو حدين، فهو يصنع النجوم، ويحقق الانتشار السريع، بيد انه يعري الشخصيات، غير القادرة على الصمود، وعلى العطاء.

التركيبة الفكرية، والقدرة على الاكتساب السريع، وتشكيل الاراء المستقلة، عوامل مساعدة، في تشكيل النخب الثقافية، بمختلف المجتمعات، فالمرء الذي يتحرك وفق منهجية واضحة، للانخراط في النادي الثقافي، يعمد لوضع ثوابت في المسيرة، نحو الوصول الى الهدف، اذ تمثل الاستقلالية القائمة على الثوابت الدينية والاجتماعية، عنصرا اساسيا في الحصول، على القبول الاجتماعي، بيد ان الاستقلالية والحرص على طرح الجديد، لا يعني نسف جميع الاراء السابقة، جملة وتفصيلا، فهناك بعض الاراء تتطلب التصويب، البعض الاخر بجاحة لاعادة النظر، فيما بعض الافكار غير منسجمة، مع الواقع المعاصر، مما يستدعي التحرك باتجاه اعادة صياغتها بقالب جديد، بمعنى اخر، فان النخب الثقافية على اختلافها، بامكانها التصريح عن قناعاتها، دون اثارة حفيظة البيئة الاجتماعية، خصوصا وان بعض النخب الثقافية، تحاول البروز، على حساب الثابت الديني او الاجتماعي، مما يجعلها في موقف لا تحسد عليه، نظرا للدخول في المنطقة المحرمة، سواء على الصعيد الديني او الاجتماعي.

الاحتكاك المباشر مع النخب الثقافي، لا يصنع المثقف، بقدر ما يسهم في وضع الاقدام، على الطريق، فالمرء الذي يكتفي بالاستماع، دون التحرك باتجاه تشكيل الذات، للارتقاء المعرفي، يبقى يراوح مكانه على الصعيد الثقافي، ”المرء حيث وضع نفسه“، بمعنى اخر، فان السير دون وعي وراء بعض الاسماء، او الشخصيات النخبوية يضر ولا ينفع، خصوصا وان تلك الاسماء تحرص على البقاء، في المقدمة دون تقديم النصح، او المساعدة لرفع الاخرين نحو الاعلى، الامر الذي يفسر استمرار التوهج الاعلامي، لبعض الشخصيات الثقافية، على المستوى الاجتماعي، فيما يستمر التابعون يركضون خلف سراب، دون القدرة على الوصول، نظرا لكثرة العراقيل المنصوبة، من قبل الشخصيات الثقافية، التي تخشى بروز بعض الاسماء الجديدة، لاسيما وان خروج اسماء ثقافية جديدة، يمثل تهديدا كبيرا، على قدرة تلك الشخصيات الثقافية، على الاستمرار، في الاستحواذ على الساحة.

كاتب صحفي