كيف يتحقق الإصلاح المنشود للأمة؟ «2 - 2»
أما الخطابات الإسلامية تجاه النظرة للتراث، كما يرى الكاتب الميلاد، فهي نظرة دفاعية عنه تجاه ما يتعرض له هذا التراث، وجهّت وتوجّه إليه من خطابات عربية مختلفة التوجهات والمشارب الفكرية، ومن المستشرقين أيضاً، ناقدة هذا التراث تشريحاً وتشكيكاً «وكانت باعثاً على التمسك به والدفاع عنه، الأمر الذي سلب من بعض هذه الخطابات خاصية التعامل النقدي، ووضع التراث في دائرة التحقيق والغربلة، وهو بأمس الحاجة إلى ذلك. في حين أن التعامل النقدي مع التراث هو لتكثيف الفهم والتعقل وتحري الاختيار والانتخاب».
ومن هذه المنطلقات الهامة لقضية تراثنا العربي الإسلامي، يرى الأستاذ زكي الميلاد أنَّ القضية الأهم في هذا المضمار ليست في هذا التراث والنظر إليه بالنقد، لكونه من الماضي ومن خلال إسقاط ما جرى للتراث الغربي من قطيعة وإهمال كما هي رؤية البعض، وهو قياس مع الفارق، «وإنما في طرائق تكوينات الفهم لهذا التراث، لذلك فإنَّ الانطلاق من المنهجية والنظر المعرفي هو المدخل السليم للتعامل مع التراث. والفرق بين المنهجية والنظام المعرفي، أن المنهجية ترتبط بآليات وأدوات وطرائق التعامل المباشر مع التراث، في حين أنَّ النظام المعرفي يرتبط بالمقاصد والغايات والاتجاهات العامة وهو الحاكم والضابط للمنهجية».
وفي طرحه عن قضية الحداثة في الفكر الإسلامي، يرى الأستاذ الميلاد أنَّ مسألة الحداثة يجب أن تتأسس من خلال الرؤية الإسلامية، وليس استجلاباً من خارجها، فكما تحقق في العصر الأول الإسلامي، بظهور حضارة عربية إسلامية، شهد لها الغرب بالريادة، ف «الحداثة - الغربية - التي ربطت العلم بالتقدم، هذا الربط نتوصل إليه من خلال مفهوم الاجتهاد الذي هو انتصار للعلم بما يحقق التمدن والعمران الإنساني من غير تصادم أو تعارض من القيم والأخلاق، وقد جسّد علماء الإسلام هذا النشاط الدؤوب في تعاملهم مع العلم والبحث العلمي في التعلم والتحصيل، وفي الكتابة والتأليف، وفي البحث والتحقيق».
ومن هنا يرى المؤلف ضرورة أن تتم مقاومة الجمود وعدم الاستكانة للواقع دون تغيير وتحفيز للانطلاق، إلى جانب «مواكبة تجددات الحياة، ومتغيرات العصر، وتحولات الزمن، ومقتضيات التقدم، وشرائط المستقبل... فالاجتهاد يفترض تعاملاً مع النص يتصف بشدة الفحص وتعمق النظر وبصورة دائمة ومستمرة، مما يجعل النص مفتوحاً للمعنى في كل زمان ومكان وحال، بشكل يتعارض مع احتكار الفهم على طبقة أو جيل من الناس، أو أن يتحدد الفهم في زمان ومكان ما، فليس في الإسلام كهنوتية أو أرثذوكسية تفرض فهماً أو معرفة جامدة أو نمطية أو أحادية الاتجاه».
ويختتم الأستاذ الميلاد رؤيته في هذا الكتاب القيم، عن ضرورة طرح الرؤية الاجتهادية التي تتلمس مقاصد هذا الدين القويم، وتجعلها حية ونابضة بالحيوية، وتحدد مشروعها الحضاري، مثل كل الأمم الناهضة في هذا العصر، ويرى الميلاد في كلمته الأخيرة في قضايا الإصلاح والاجتهاد في هذا الكتاب «أن الفكر الإسلامي الجديد ما هو إلا أحد المسارات الفكرية وليس المسار الوحيد، لكنه الأكثر تطوراً ونضجاً وتأكيداً على قيم التجديد والانفتاح والتواصل مع العصر. فالفكر الإسلامي في كل مراحله وتطوراته التاريخية والزمنية لم يكن متقولباً في مسار وخطاب واحد، بل كان تعددياً ومختلفاً... ونحن نراهن على مستقبل الفكر الإسلامي الجديد، وفي قدرته على صنع وابتكار مستقبل الأمة، وانفتاحه على كل البيئات والمعطاءات والمنظومات الإسلامية».
وهذا هو الأمر الذي يفترض الاشتغال عليه لمواجهة التحديات التي تواجه الأمة في حاضرها ومستقبلها.