التثاقف ”2“
عندما يتحول حلم الدخول لنادي الثقافة، الى عقدة نفسية، فانها تصبح معضلة كبرى، في عملية توجيه صاحبها، الى جادة الصواب، اذ تظهر علامات التخبط على التصرفات، والانفعالات على الصعيد الشخصي، والاجتماعي، فتارة تكون عبر محاولة التقرب من شخصيات، ذات باع طويل في التصادم، مع الثوابت الفكرية، وتارة من خلال تقمص ادوار، لا تتناسب مع القدرات، والملكيات الفكرية، الامر الذي ينعكس على صورة تفاعلات اجتماعية مختلفة، بيد ان القاسم المشترك للمواقف، تتمثل في الرفض، وعدم القبول، من قبل العديد من الشرائح الاجتماعية.
عملية الانخراط في سلك النخب الثقافية، تتطلب وضع معايير ذات مقاسات واضحة، بحيث تمثل جسرا ثابتا، في العبور باتجاه الانتماء، لهذه الشريحة، خصوصا وان النخب الثقافية تمتلك القدرة، على الارتقاء بالمستوى الفكري الاجتماعي، نظرا لما تمثله من قدرة، على الخروج من الواقع البائس، للانطلاق باتجاه افاق اكثر رحابة، بيد ان عملية الوصول الى هذه المرحلة، تتطلب جهدا كبيرا، فالبعض بامكانه مواصلة مشوار التدرج بشكل ثابت، باتجاه الانتماء لنادي الثقافة، من خلال الاصرار، والمثابرة على المضي قدما، حتى تحقيق الهدف المرسوم، فيما يسقط البعض في البداية، والاخر يخفق في المنتصف، الامر الذي يفسر محدودية النخب الثقافية، في المجتمعات البشرية، خصوصا وان العملية بحاجة الى جهد كبير، وتحرك جاد باتجاه الوصول، الى الغاية المنشودة.
محاولة ركوب موجة المثقف، عبر امتطاء سفينة خاطئة، تشكل خطورة كبرى على صاحبها، فالاختيار الصائب امر بالغ الاهمية، لتفادي الوقوع في الاخطاء الكارثية، فالبعض يتحرك وفق رؤية مشوشة، وغير واضحة من البداية، اذ يعمد للاقتباس من اقصى اليمين، وتارة ينقل عن اقصى اليسار، مما يضعه في متاهة كبرى، بين التيارات الفكرية المتناقضة، بمعنى اخر، فان التخبط في ركب السفن المتناقضة، يجعل عملية الوصول الى الضفة الاخرى، ليست سهلة على الاطلاق، خصوصا وان تشابك المصالح، وتضاربها لدى التيارات الفكرية، تحول دون القدرة على معرفة المنبع الصافي، بشكل صحيح، الامر الذي يفسر التحولات الفكرية، لدى بعض النخب الثقافية، اذ يعمد خلال فترة زمنية للدعوة للتيار الثقافي اليميني، وبعدها ينتصر للتيار اليساري.
القراءة جزء اساسي، في تشكيل المنظومة الفكرية، لدى المرء، فالانسان لا يولد عالما، او عارفا بخبايا الكون، وادراك جميع الاشياء، ﴿وَاللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا﴾، وبالتالي فان محاولة القفز نحو الاعلى، يمثل خطورة كبرى على الحياة، مما يستدعي العمل على توفير الادوات اللازمة، للوصول بسلام، بمعنى اخر، فان التحرك باتجاه الانخراط، في النخب الثقافية، يتطلب الاطلاع الدائم، فالمرء مهما وصل لمرحلة متقدمة من المعرفة والعلم، فانه يبقى جاهلا، وغير قادر على الاحاطة، بجميع الامور، مما يفرض مواصلة البحث، والحرص على مواكبة التطورات، لاسيما وان ”الغرور“ الفكري، داء خطير يقتل صاحبه، بحيث يجعله غير قادر على العطاء الفكري، بعد فترة زمنية، فالعلم بحر واسع، يزخر بمختلف انواع المعارف، الامر الذي يستدعي الاستخدام الامثل، لاستخراج تلك الكنوز، بما يعود على البيئة الاجتماعية بالمنفعة.